راسل القرشي

راسل القرشي / لا ميديا

بعد ثلاثة أسابيع من الحراك الشعبي الجزائري واتساعه وتمدده عاد الرئيس الجزائري بوتفليقة إلى بلاده بعد رحلة علاجية في جنيف، عاد ليعلن عدم ترشحه لدورة رئاسية خامسة، استجابة لمطالب الشعب الجزائري، وتأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في الـ18 من أبريل القادم، وتشكيل لجنة وطنية مستقلة تتولى صياغة الدستور الجديد ومن ثم عرضه للاستفتاء الشعبي بما يتماشى مع المطالب الشعبية.
إعلان بوتفليقة هذا بحد ذاته يعد انتصاراً لمطالب الشارع الجزائري، وإنقاذاً للجزائر من السقوط في الفوضى والدمار كما سقطت دول عربية منذ ثماني سنوات وإلى اليوم لم تستطع أن "تخارج" نفسها من جحيم الفوضى والدمار الغارقة فيها.
تفهم بوتفليقة مطالب شعبه وأكد في بيانه الرئاسي بقوله: "أتفهم ما حرك الجموع الغفيرة من المواطنين للتعبير عن رأيهم، وأثمن طابع الحراك السلـمي". كما أكد أنه لم ينوِ الترشح، حيث قال: "لم أنو طلب العهدة الخامسة، لأن حالتي الصحية وسني لا يتيحان لي سوى تأدية الواجب الأخير تجاه الشعب".
كلام عقلاني يصدر من رجل حكيم يدرك حقيقة ما تعرضت له بعض البلدان العربية سابقاً وأين وصلت حالياً، ولا يريد للجزائر أن تسقط في نفس المستنقع، لاسيما وأن للجزائر تجربة قاسية شهدتها في التسعينيات كادت تغرقها في الجحيم.
موقف الرئيس بوتفليقة موقف وطني بامتياز، ويكفي الشعب الجزائري أنه تمكن من أن يُسمع صوته ويُوصل رسالته لأركان النظام، ليلقى هذا التجاوب من قبل رئيس النظام بوتفليقة، ويؤكد للعالم أن الشعب هو صاحب السلطة وهو من يختار حكامه وفقاً لإرادته الحرة المستقلة ودون أي تدخل خارجي.
والمؤسف في هذا الإطار ظهور أصوات سياسية جزائرية تشكك بالبيان الرئاسي، وتذهب صوب الادعاء بأن ما أعلنه بوتفليقة خارج إطار الدستور ولا يلبي تطلعات الشعب الجزائري ومحاولة مكشوفة لتمديد ولايته الرابعة والانقلاب على الدولة والشعب.
هذه الأصوات شبيهة بتلك الأصوات التي سمعناها قبل حوالي ثماني سنوات في عدد من البلدان العربية وانتهت بها الحال إلى حيث هي اليوم مع كل أسف! ونحن هنا لا نتمنى للجزائر أن تصل إلى نفس المستوى الذي وصلت إليه تلك البلدان، وهو ما سيتيح للخارج المتربص التدخل لا محالة في الشأن الجزائري وتكرار نفس السيناريو المعتمل اليوم في تلك البلدان.
لا نحبذ للجزائريين الوصول إلى هذا المنحى الخطير، وعلى الشعب الجزائري ألا ينظر إلى البلدان العربية البعيدة عنه والتي وقعت في نفس الفخ، وإنما عليهم النظر إلى ليبيا جارتهم الأولى وما وصلت إليه منذ ثماني سنوات وما زالت تعيشه اليوم من وضع مأساوي يصعب التكهن بانتهائه في المدى القريب!
هناك سياسيون في أحزاب المعارضة الجزائرية يدركون خطورة الوضع الجزائري الراهن وما سيقود إليه إن تفاقم. وأصر البعض الآخر من السياسيين الذين ينفذون أجندة خارجية على مطالبهم الرافضة لقرارات الرئيس بوتفليقة والإصرار على تحريض الشارع الجزائري والعزف على نغمة رحيل النظام واجتثاث قياداته وتكرار نفس المشهد المأساوي المعتمل في بلدان عربية أخرى!
بعض القيادات السياسية في أحزاب المعارضة تعي وتدرك ذلك جيداً، وما عليها إلا النزول للشارع وتوضيح خطورة ما ستؤول إليه الأوضاع في الجزائر إن أصرت تلك القوى على مواقفها الرافضة والمطالبة بتنفيذ توجهاتها الخاصة وسوق الجزائر إلى الفوضى.
الرئيس بوتفليقة رمى الكرة إلى ملعب الشعب الجزائري، وعلى الشعب أن يتجاوب مع قراراته ولا يستجيب لدعوات التشكيك و"فات الأوان" و"قرارات متأخرة" التي بدأت بالظهور الآن ونسمعها عبر الفضائيات وكنا قد سمعناها من أصوات الخراب التي أدخلت عدداً من البلدان العربية في حالة الشتات والدمار التي تعيشها حالياً.
عليهم أن يرفضوا هذه الدعوات ويتجاوبوا مع قرارات رئيسهم الذي استجاب لمطلبهم بعدم الترشح لولاية خامسة، والمضي صوب تغيير النظام بخطوات محسوبة بعيداً عن التسرع غير المحمود.
والسؤال الحاضر حالياً: هل تنتصر لغة العقل في الجزائر، أم أن لغة الخراب والدمار و"إسقاط النظام" هي التي تنتصر؟!
الأيام القادمة ستكشف لنا ذلك بوضوح. ونسأل الله أن ينقذ الجزائر وشعبها من المآلات الخطيرة التي قد تصل إليها إن أصر البعض على تمرير أجندته وتنفيذ مشاريعه الخاصة.

أترك تعليقاً

التعليقات