نبع السلام المدمر!
 

راسل القرشي

راسل القرشي / لا ميديا -

لا أدرى كيف يمكن تحقيق السلام عبر الأعمال العسكرية وما تخلفه من قتل الآلاف وتدمير الحياة؟!
الرئيس التركي أردوغان بدأ الأربعاء الماضي بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في شمال شرق سوريا، وأطلق عليها اسم عملية "نبع السلام"..!
أردوغان الذي يتهم وحدات حماية الشعب الكردي بالإرهاب وتحت مسمى حماية أمنه الإقليمي، بدأ بهذه العملية بحجة مكافحة الإرهاب والعمل على فرض منطقة عازلة أو آمنة على الأراضي السورية تحميه وتحمي بلده من الإرهاب.. ويقول إن هذا العمل سيسمح للاجئين السوريين بالعودة إلى أراضيهم والعيش بأمن وسلام، بينما هو واحد من الذين دمروا سوريا منذ العام 2011م.. وهو في هذه الجزئية هدفه الرئيسي طرد السكان الأصليين في المنطقة وإعادة اللاجئين السوريين المتواجدين على أرضه إليها ليخفف عنه وعن بلده تحمل أعباء لجوئهم، إضافة إلى تكوين تكتلات تؤمن بالولاء لتركيا، وقد تحدث عن ذلك مراراً وتكراراً.. وأيضاً هناك أسباب أخرى ليست بالخفية كما يظن أردوغان.
ورغم التحذيرات التي أطلقتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وعدد من الدول الأخرى، من مخاطر إشعال المنطقة واستهداف المدنيين، بدأت الوحدات العسكرية التركية بقصف جوي مكثف على مواقع عسكرية ومدنية في تل أبيض ورأس العين والقامشلي.. وهو ما ينذر بتحويل المنطقة إلى خراب، ودفع المدنيين إلى النزوح عن المنطقة، والتسبب بكارثة إنسانية جديدة ستتحمل أعباءها بدرجة رئيسية تركيا ورئيسها أردوغان المصاب بجنون العظمة "العثمانية" والساعي لإعادة مجد أجداده الأتراك للواجهة وعبر "سلامه المدمر" لجزء من الأراضي السورية وتاريخها العظيم.
سيعود أردوغان للبكاء مجددا والاستنجاد بالدول الأوروبية لدعم تركيا في استيعاب اللاجئين أو بتهديدها بفتح حدودها للاجئين للذهاب إلى أوروبا واستقبالهم وتخفيف العبء على تركيا وشعبها.. أو بدفع المليارات له بحجة عدم قدرة تركيا على تحمل أعباء اللاجئين.
منطق السلام لدى أردوغان غريب وعجيب.. فهو لا يقبل بالحوار ولا يؤمن إلا بالقوة.. وبتنفيذه لهذه العملية العسكرية، لاسيما بعد انسحاب الولايات المتحدة منها، وضع نفسه أمام خيار صعب قد يؤدي إلى الإضرار بأراضيه وأمنها واستقرارها من خلال ردود فعل عكسية سيقوم بها الأكراد المتواجدون على أراضيه، وبما يؤثر عليه.
كما أن مواقف البيت الأبيض والرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاءت عكس ما كان يتوقعها أردوغان، خاصة بعدما قالت الخارجية التركية إنها تدارست بدء العملية مع الإدارة الأمريكية.
وفي هدا الإطار، وصف البيت الأبيض العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، بالفكرة السيئة.
وقال الرئيس الأمريكي ترمب إن تركيا قامت بغزو سوريا ولا يوجد أي جندي أمريكي في تلك المنطقة.. وحملها كامل المسؤولية عن حماية المدنيين والأقليات الدينية، وضمان عدم وقوع كارثة إنسانية.
فهل يعد هذا الموقف الأمريكي انقلاباً على ما تم الاتفاق حوله مسبقاً بين الرئيسين التركي والأمريكي بشأن هذه العملية..؟ ولماذا تراجع ترامب عن مواقفه السابقة التي كان قد أعلنها إزاء سحب قواته ودعمه للأكراد؟! أم أن ترامب أراد من وراء إعلانه وقف دعمه للأكراد وسحب قواته، خداع أردوغان ووضعه في هذه المصيدة، وبالتالي فرض عقوبات اقتصادية على تركيا كردة فعل على شراء أردوغان منظومة الدفاع الروسية "إس 400"؟!
يبدو أن وراء هذا التمرد الذي قام به أردوغان في شمال سوريا على حليفته الولايات المتحدة، وعلى ما تم في مباحثات سوتشي وطهران مع الجانبين الروسي والإيراني، أهدافاً يسعى لتحقيقها على المستويين الداخلي والخارجي.. فعلى مستوى الداخل يسعى أردوغان إلى تلميع صورته وإعادة شعبيته التي فقدها إثر الكثير من الأزمات التي افتعلها مع معارضيه ومع الشعب التركي، والعمل على توطين مجموعات إثنية في شمال سوريا تكون موالية له ولتركيا.. وربما يهدف إلى ضم تلك المنطقة إلى أراضيه، وليس مستبعدا عنه ذلك.
أما في ما يتعلق بالخارج التركي، فإن أردوغان يريد من وراء هذه العملية العسكرية إرسال رسالة لدول الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، مفادها أن تركيا قوية، وأنه سيسعى لتنفيذ حلمه المتمثل بعودة المجد العثماني، ولا شيء سيمنعه من تنفيذ مخططاته.
كما هي رسالة للنظام السعودي الداعم وبتوجيهات أمريكية لـ"قسد".. وهذا ما أكدته الخارجية السعودية بإدانتها العدوان الذي يشنه الجيش التركي على مناطق شمال شرق سوريا.
هذا هو مفهوم السلام الذي يتحدث عنه أردوغان، ويسعى وراء تحقيقه في شمال شرق سوريا على حساب الأرض والشعب العربي السوري.

أترك تعليقاً

التعليقات