عبدالرحمن هاشم اللاحجي

 قيل منذ الأزل (لكل زمان دولة ورجال)، وهو قول نابع من تجربة إنسانية عريقة وممتدة منذ القدم. إذ من البديهي أن يكون لكل عصر رجاله في مواجهة تحدياته، فعندما تطوى مرحلة تاريخية معينة ترى علامات الشيخوخة قد بدأت تظهر على رجالها، وهي شيخوخة معنوية وأخلاقية ونفسية وعقلية، بينما بالمقابل ترى علامات الفتوّة المتقدة والشباب المتوهج راحت تظهر على رجال المرحلة الجديدة، وهي أيضاً فتوّة في المعنويات والأخلاق والنفسيات والعقول.
إن تلك الجذوة المتقدة في القلب على رجال المرحلة الجديدة غير هيّابة من سجن أو نفي أو موت، ولا يدخل في حسابها لوم اللائمين أو عقاب المتسلطين أو ما يمكن أن يلحق بالأهل والمال والولد والمستقبل من أضرار أو خسائر، وترى في هؤلاء علامات التمسك بالمبادئ والقيم وروح التقشف والاستعلاء على المال والراحة والأمان، وترى فيهم تلك العقول الباحثة عن الحقيقة والمؤمنة بإمكانية تغيير العالم.
بينما نلحظ ذهاب ذلك بعد ردح من الزمان سواء أكان ذلك بسبب الدخول في مرحلة الانتصار وبناء الدولة التي تحقق الرفاه ورغد العيش، أو بسبب الانتهاء من المرحلة بهزيمة وفجيعة، وبالتالي ترى تلك الجذوة في العطاء غير المحدود قد انطفأت لتحل مكانها شهوة الأخذ والكسب، وترى النشاطية المبدئية غير الهيابة قد أخلت مكانها لألوان من الخوف على الذات، وحساب المخاطر بالنسبة الى النفس والأهل والمستقبل، ويصبح كل حديث عن الأخلاق والقيم والتقشف خرافة أو هزلاً، ثم ترى البحث عن الحقيقة قد انقلب إلى أصولية وتسليم بالواقع وموازين القوى.
من هنا نلحظ تشديد السيد عبدالملك على ضرورة التسبيح والاستغفار وتطبيق البرنامج اليومي كضرورة هامة لمحاربة مكامن النفوس الضعيفة التوّاقة الى الخلود في الراحة، ولبقاء تلك الحالة المتقدة بالنشاط والحيوية بصفة دائمة، وبما يكفل بناء نفسيات قوية تكون بمستوى مواجهة المخاطر الكبيرة المحدقة بالبلد والمنطقة عموماً.
وبلا شك فإن تلك النفسيات التي وجدت نفسها بعد ثورة ٢١ سبتمبر المجيدة حبيسة لشهواتها وملذاتها ومطامعها الدنيوية، نتيجة لضعف في فهم المسيرة القرآنية، أو لتأثرها بأزلام فاسدة أو لإعجابها بفلل وقصور وطيرمانات صنعاء المطلوب منها اليوم مراجعة ذاتها ومغادرة أخطائها والانتصار لقضيتها التي لم يجف حبر أوراقها بعد.
وهنا كان لابد من الإشارة والتذكير المستمر والمتتابع بالأحداث التاريخية التي خلّدها القرآن الكريم، ولاسيما تلك التي وردت على لسان طالوت وجالوت، أو تلك التي كشفت نفسيات بني إسرائيل، لتكون منهجية حياة ودروساً مستوفاة ومكتملة العبر والمواعظ، بل غير بعيد عن الأحداث الحالية وما صنعته الأحداث الإلهية من انتكاسة غير مسبوقة على رؤوس الجبابرة والظالمين، وأذلّت وأهانت كل أولئك الذين وجدوا أنفسهم في مرحلة من المراحل يسيرون عكس التيار الإلهي، حتى ممن كان لهم باع ومشوار طويل مع المسيرة ومشروعها العالمي مُكتمل الرؤى والأركان والجوانب.

أترك تعليقاً

التعليقات