عبدالرحمن هاشم اللاحجي

مضى أكثر من أسبوع فيما لا يزال الغموض والإبهام يكتنف المبادرة الأمريكية التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، خلال مؤتمره الصحفي الذي جمعه بنظيره السعودي عادل الجبير، في العاصمة السعودية الرياض، عقب انتهاء المؤتمر الاستثنائي الذي دعت له واشنطن، وانعقد في مدينة جدة السعودية، الخميس الماضي، وحضره وزير بريطاني، بالإضافة إلى المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ.
المبادرة الأمريكية التي قال كيري إنها (تمثل خارطة طريق نحو إيجاد سلام دائم في اليمن)، تضمنت خطوطاً عريضة كتشكيل حكومة وحدة وطنية، والانسحاب من المدن اليمنية الرئيسية، وتسليم الأسلحة بما في ذلك الصواريخ الباليستية إلى طرف ثالث (لم يسمه)، إلا أنها لم تحدد تفاصيل تلك الأفكار، بما يمكن الساسة وصناع القرار من التعاطي معها بإيجابية واضحة، ويساعدهم في اتخاذ المواقف السليمة، وهو ما أكده بالفعل رئيس المجلس السياسي الأعلى الأستاذ صالح الصماد، في مقابلته مع وكالة (رويترز)، قبل أيام، عندما قال إن حكومته (المزمع تشكيلها قريباً) (لم تسمع سوى تصريحات صحفية عابرة)، مشيراً إلى أنهم (لم يستلموا أية مسودة بشأن المبادرة حتى تاريخه).
من حيث المبدأ، هناك ترحيبات مبدئية بالمبادرة الأمريكية المعلنة، من قبل الوفد الوطني الذي يشدد وبقوة في تصريحات رئيسه المفاوض الأستاذ محمد عبدالسلام، على ضرورة رفع الحصار وإيقاف العدوان قبل الشروع في أية مفاوضات قادمة، بينما هرول وفد الرياض، وبشكل مذعن ومنقاد، للترحيب بها، واعتبرها الناطق الرسمي باسم وفد الرياض المخلافي (لفتة مهمة أتت في وقتها المناسب)، كما أن الرياض نفسها سارعت لمباركتها وتبجيلها حين أعلنت مختلف وسائل إعلام المملكة، في اليوم التالي من تصريحات كيري، عن ترحيب الملك السعودي سلمان بما جاء فيها من حلول ورؤى وصفتها بـ(الدقيقة والعميقة)، ثم عادت وبشكل مرتبك لتعلن عبر السفارة السعودية في واشنطن، أنها قدمت مقترحاً طفيفاً للخارجية الأمريكية، وطلبت منها إدخاله عليها.
قبل الخوض في قراءة أبعاد المبادرة الأمريكية الأخيرة، وما تضمنته خطوطها العريضة من مضامين وحلول انشطارية حول الملف اليمني، يجدر بنا الإشارة إلى سلسلة المبادرات الأمريكية المتسترة التي تقدمت بها واشنطن في أوقات سابقة من مفاوضات الكويت، والتي كان آخرها المبادرة التي تقدمت بها الدول الـ18 الراعية للتسوية السياسية، وحظيت بإدارة أمريكية واضحة لمعظم جلسات النقاش والمفاوضات، حين تمت بزعامة أمريكية بحتة عبر سفيرها السابق في اليمن والمنفي في الرياض ماثيو تولر. كما أن الورقة السعودية المقدمة خلال جلسات التفاوض الثانية، كانت وبشهادة محللين رؤية أمريكية بحتة، كونها تضمنت حلولاً لا تختلف نهائياً عن أبعاد الاستراتيجية الأمريكية التفتيتية في المنطقة، واليمن على وجه التحديد.
إضافة إلى كل ذلك، فكل المواقف الأمريكية، سواء في مجلس الأمن أثناء تقديم ولد الشيخ إحاطته الأخيرة، أو في جلسات التفاوض الماضية، تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك، أن أمريكا هي من كانت تمسك بزمام الجلسات وتتحكم بتحديد أجنداتها، إنما الواضح الآن هو الظهور الأمريكي غير المفاجئ للعلن، خصوصاً بعد أن أفشلت الدبلوماسية اليمنية جميع محاولاته السابقة ، وقضت عليها في مهدها الأول.
هناك الكثير من الاستنتاجات المبدئية التي يمكن استقراؤها من مبادرة كيري، بالرغم من عدم معرفة تفاصيلها حتى اللحظة، أولها (شمولية الحل)، فالوفد الوطني دائماً ما كان يطالب بأن يكون الحل السياسي شاملاً وكاملاً، على أن ينفذ كحزمة واحدة دون تجزئة أو ترحيل، كما أن رئيس الوفد الوطني عبدالسلام عزا أسباب تعطيل اتفاقية ظهران الجنوب إلى تجزئة الحل الذي حوته الورقة السعودية المقدمة ومبادرة الدول الـ18 الراعية للتسوية السياسية، ويبدو أن الأمريكيين قد تفهموا ذلك، لكن لا أحد بإمكانه أن يأمن مكائدهم وحيلهم، وإذا كانت خارطة الطريق التي تقدم بها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، بغرض إيجاد تسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، قد تجاوزت الـ15 عاماً دون نتيجة تُذكر، باستثناء زيادة المستوطنات وتهويد القدس، فكم ستحتاج الخارطة الجديدة بين اليمنيين والسعوديين كي تُطبق وتصبح خياراً نافذاً في الواقع؟!
وبلا شك، فإن الإجابة على هذا التساؤل يوضحها حجم التلاعب الحاصل في الخارطة المقدمة، والتي لازالت طي الكتمان حتى الآن، إلا أن اللافت فيها والأكثر استقراء ووضوحاً هو أن (الملف اليمني) لم ينتقل من يد السعودي إلى جعبة الأمريكي فحسب، بل أصبحت المملكة السعودية نفسها طرفاً أساسياً وجزءاً لا يتجزأ من المشكلة اليمنية العالقة، بدليل أن أمن المملكة في خاصرتها وحدودها مع اليمن كان حاضراً في تصريحات الوزير الأمريكي كيري عندما أدان الهجمات اليمنية على الحدود السعودية، داعياً في ذات السياق إلى وجوب وقف الحرب وإفساح المجال لاستئناف المفاوضات المباشرة، ومحذراً في الوقت ذاته من مغبة رفضها وعدم الالتزام بما ورد فيها من معطيات لا تزال قيد الطباخة، ومهدداً بإجراءات عقابية صارمة كتلك التي تتحدث عن نقل البنك المركزي اليمني إلى مدينة عدن، وإبقاء اليمن في حالة من التدهور والشلل الاقتصادي التام!
هناك نقلات متسارعة تمر بها القضية اليمنية العالقة، تواكبها انتصارات دبلوماسية وعسكرية في الميدان، فالقوة الصاروخية اليمنية أطلقت، الجمعة الماضية، صاروخ (بركان 1)، وهو صناعة يمنية باليستية يصل مداه إلى 800 كيلومتر، إلى قاعدة الملك فهد بالطائف، وحقق بها إصابات مباشرة ودقيقة، ونعتقد أن الرسالة قد وصلت بشكل أسرع من مبادرة كيري، وأعمق من التفاصيل التي لازالت في مطابخ واشنطن ونيويورك. ومن هنا نستطيع القول وبثقة مطلقة بأن كل شيء يجري في صالح الشعب اليمني، والمستقبل بإذن الله لصالح المستضعفين المطحونين. 

أترك تعليقاً

التعليقات