عبدالرحمن هاشم اللاحجي

على الرغم من دعوة الأمم المتحدة ومجلس الأمن جميع الأطراف اليمنية إلى الالتزام بما جاء في مبادرة (ولد الشيخ) الأخيرة، وإفساح المجال للسياسة لتستأنف دورها المعتاد من النقطة الأولى التي تضمنتها بنودها المتشعبة، إلا أن حكومة الدنبوع هادي ما تزال تبعث البرقيات المناشدة والمتوسلة للدول الـ18 الراعية للتسوية السياسية، وتحشد المظاهرات الباهتة، وتلتقي بسفراء الدول الأجنبية أمام وسائل الإعلام، في صورة مكشوفة مفضوحة تعبر عن مدى القلق والخوف الذي بات يعتري قادتها وأعضاءها، وتوضح حجم الإعياء الذي وصلوا إليه قبل أن يلفظهم المخطط الأمريكي الجاري الى مزابل التاريخ.  
المفاوضات القادمة إن كُتب لها الانعقاد فعلاً، ولم تعكّر أجواءها (عنتريات الرياض)، و(وفدها المفاوض)، فإنها ستبحث بالدرجة الأولى كيفية نقل السلطة من  الدنبوع هادي الى نائب توافقي خلال فترة وجيزة، وهذا يعني بالضرورة الاستغناء عن شخصيات مهمة كان لها دور بارز وفاعل خلال المرحلة الماضية، من ضمنهم اللواء الأحمر، وآخرون كثر، وهو ما تعارضه الحكومة (اللاشرعية)، وتعتبره (حلاً يؤدي الى استمرار الاحتقان وإطالة أمد الحرب). 
الوفد الوطني تعامل بذكاء مع مبادرة ولد الشيخ مرتين: الأولى حين طلب في بيانه الأول (مهلة لعرضها على قيادته السياسية)، وأشار إلى أن المبعوث الأممي أبلغه بأن (الطرف الآخر ـ يقصد وفد الرياض ـ استلم نسخة أخرى من المبادرة في نفس الساعة، عبر وكلائه هناك)، مما جعله ينكشف اليوم التالي، ويعلن وعلى لسان الدنبوع هادي، رفضه لها قائلاً إن (أية مبادرة لا ترتكز على المبادرة الخليجية والقرار الدولي 2216، مرفوضة تماماً)، والثانية عندما أعلن (موافقته بالشروع في جولة تفاوضية تتخذ من المبادرة الأممية أرضية للنقاشات القادمة، وتفضي الى حل سريع وشامل للمشكلة اليمنية العالقة)، وهو بتلكما الخطوتين لم يضع خصمه في عنق الزجاجة فحسب، بل لف عليه الحبل وأحكمه جيداً.
بمقاييس الربح والخسارة يمكننا القول بأن الوفد الوطني خرج رابحاً من الجولات السياسية الماضية عندما أخضع الأمم المتحدة لشروطه المتمثلة بإيجاد صيغة (حل شامل) للمشكلة اليمنية العالقة. ومع أنه ـ أي (الوفد الوطني) ـ لم يكن مقتنعاً بالحل بصيغته النهائية، وطلب العديد من التعديلات الجوهرية في بنوده الـ12، وأضاف لها بنوداً واشتراطات أخرى كرفع الحصار، وإيقاف العدوان، وحلحلة ملفات (الأسرى) و(المفقودين) و.. إلخ، إلا أن المجلس السياسي الأعلى قرر التأخير في استكمال تشكيل الحكومة، ربما حتى يكتمل مسلسل اندثار حكومة الدنبوع هادي بشكل أو بآخر، وتشكل حكومة يمنية خالصة على أنقاضها في المستقبل القريب. 
لا نعتقد بأن الدنبوع هادي سيكون محظوظاً كسلفه الزعيم صالح الذي خرج من السلطة عقب ثورة شعبية عارمة، باتفاقية دولية ضمنت له البقاء ومنحته الحصانة من أية ملاحقة قانونية، لأنه باختصار لا يحظى بشرعية شعبية مماثلة أو حتى أقل منها تمنحه تلك الامتيازات القوية أو بعضها بالحد الأدنى، وما يعزز القول هو الحشود الشعبية الباهتة التي خرجت في مدينة عدن، صباح الخميس الماضي، تلبية لدعوة الدنبوع هادي نفسه، تنادي برفض المبادرة الأممية الأخيرة وتعرقل إجراء جولة تفاوضية جديدة. 
الرياض نفسها أصبحت تشعر بالخطر نتيجة وجود جالية الحكومة اليمنية في فنادقها ومنتجعاتها الفارهة، فالصواريخ اليمنية طالت في الأيام الأخيرة قاعدة الملك عبدالعزيز بمدينة جدة، ووصلت أصوات انفجاراتها القوية الى مسامع السفير الأمريكي المنفي ماثيو تولر الذي يمارس أعماله التخريبية على اليمن من مدينة جدة السعودية، حيث المكان الأخير الذي حطت سفارته رحالها فيه بعد موجة ثورية عارمة أطاحت بها من (صنعاء -عدن) خلال العامين الماضيين، وهناك تقارير حقيقية تفيد بامتلاك اليمنيين صواريخ باليستية تتجاوز في مداها العاصمة السعودية الرياض، وستكون حاضرة وبقوة في ردة الفعل اليمنية تجاه أية مراوغات قادمة. ونتيجة لكل تلك الضغوط العسكرية يبدو أن هناك قناعات دولية ترسخت بالاستغناء عن حكومة الدنبوع هادي، وتحميلها فشل كل السيناريوهات الماضية، واستبدالها بأخرى تحظى بدعم الأمم المتحدة، وتنال شرعيتها وتأييدها..
الدائرة دارت فعلاً على حكومة الدنبوع هادي، وفنادق الرياض التي تؤويهم باتت تستورد يومياً كميات كبيرة من المسكنات وأقراص النوم لأعضائها، تجنباً لإصابتهم بنوبات قلبية سريعة قد تفتك بهم قبل الإعلان رسمياً عن انتهاء دورهم وطي حاضرهم، فتكلفة رفض المبادرة الأممية ـ إن استمر ـ ستكون باهظة ومكلفة جداً، وربما أكبر من كلفة الذهاب الى طاولة المفاوضات التي من المفترض أن تبحث إجراءات نسف شرعيتهم المزعومة.. فأي الطرق سيختارون؟ وأي السُّبل سيتخذونها وهم يعلمون مسبقاً أن جميعها تؤدي الى (الهاوية)؟!
سؤال صعب، بانتظار أن تجيب عليه الأيام.

أترك تعليقاً

التعليقات