عبدالرحمن هاشم اللاحجي

هناك استحقاقات مرحلية لا هروب منها، ولا تنصل من القيام بتنفيذها، وهناك أدوار يجب أن يلعبها الحلفاء بشكل مدروس ومتأنٍّ في جو هادئ من الصداقة والودّ، خصوصاً مع المتغيرات الدولية الحاصلة وتأثيراتها الجيوسياسية على خارطة المنطقة العالمية واليمن (على وجه التحديد)، وعلى أن يكون أساس تلك الاجتماعات واللقاءات مصلحة البلد فوق كل الاعتبارات، وعنوانها وحدة المآل والعاقبة المصيرية للبلد ككل!
مجرد التفكير في التحايل على الآخر سيضع البلد على كف عفريت! وقد يهدم جهود سنوات من العمل المشترك لإخراج البلد من أتون الفوضى والتبعية للخارج، خصوصاً وأن العدو «متعدد الأذرع» بات يترقب الفرصة المناسبة للشروع في تسليم ما تبقى من البلد للجماعات المتطرفة، لكن ذلك التحايل ومهما بلغت درجة خطورته لن يمس أهداف الثورة وثوابتها الراسخة، لأنها تستمد قوتها وعنفوانها من الشعب اليمني العظيم، ومن إرادته الفولاذية التي لا تُقهر!
ثورة سبتمبر 2014 المجيدة لم تكن محاكاة أو تقليداً، ولم تنتهِ باتفاق سياسي (كما هو حال الثورات النصفية)، بل كانت الاتفاقات السياسية ذاتها أحد عوامل الانتصار التدريجي، ابتداء من الرفض المطلق للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، والشروع في اتفاق السلم والشراكة، وصولاً إلى الإعلان الدستوري الأخير، وما أعقبه من تشكيل للجان الرقابية والثورية، غير أنها تعرضت للعديد من المنعطفات التاريخية الهامّة، حيث كانت التنصلات السياسية للقوى الأخرى وعدم وفائها بمسؤولياتها ومهامها وفق الاتفاقات المبرمة أحد أبرز العوامل التي ساعدت الثورة على المضي قُدماً في طريق الانتصار.
 الالتزام بالقرار الدولي 2116 لا يعني التنازل عن أهداف الثورة ومضامينها الخالدة، بقدر ما يدفع بها نحو الاعتراف الإقليمي والدولي، كما أن الدعوة للعودة إلى ما قبل الإعلان الدستوري الأخير تعني تفعيل الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، لأن اتفاق السلم والشراكة لن يعمل على إعادة سُلطات الدولة ومنها (البرلمان) على النحو الذي يريده الطرف المطالب بالعودة! وعلاوة على ذلك فهو يعني الاعتراف الصريح والفاضح بشرعية المخلوع هادي، والعودة بالبلد الى مرحلة المحاصصة التقاسمية النهبية الإقطاعية التي انتهجتها حكومة الوفاق سابقاً!
هذا الأمر لم يعد حتى في حسابات المملكة السعودية ودول الخليج نفسها التي باتت تنظر للمشكلة اليمنية من زاوية (التعامل مع الواقع كما هو)، فبعد أكثر من عام على حربها الجنونية، وما رافقها من تكاليف اقتصادية باهظة، وصلت الى مئات المليارات من الدولارات، وما أحدثته مغامراتها الصبيانية من فقدانها السيطرة على حدّها الجنوبي، والجنوب اليمني الذي اعتقدت في لحظة غرور طائشة بأنه أصبح في قبضة شرعيتها المزعومة، ها هي تتفاجأ في نهاية المطاف بأن الأمور تتجه على نحو مغاير تماماً لحساباتها وتوقعاتها الخاطئة تلك!
من هنا جاءت فِكرة مؤتمر الكويت المرتقب (إضافة الى مؤثرات دولية أخرى)، والذي كما يبدو لن يكون سوى وسيلة تصُب في قالب الاعتراف الإقليمي والدولي بالثورة اليمنية وأهدافها الخالدة، وفرصة سانحة لحشر القوى المتطرفة في زاوية ضيقة وحرجة تمهيداً لتعريتها أمام المجتمع الدولي والمحلي، وهذا ما يفسر خشيتها واندفاعاتها وهسترتها من إمكانية التوصل لوقف النار، فضلاً عن إيجاد صيغة تفاهمات مستقبلية تحفظ لليمنيين كرامتهم، وتصون دماء شهدائهم.
أطراف سياسية داخلية (كانت مناهضة للعدوان في مرحلة سابقة) تأبى حالياً إلا أن تعمل كطابور خامس لقوى التطرف والإرهاب، حيث تعتقد بأن مصلحتها (الفوق مجتمعية) باتت تقتضي السير في طريق تلك القوى المتطرفة والنفعية، بينما النقلة الحكيمة والصحيحة لمتطلبات المرحلة الآنية تتطلب توحيد الموقف وتعزيز جبهة الصمود تجاه العدوان وأدواته المبتذلة تمهيداً لصناعة النصر الذي لن يكون بمقدور أية جهة أو جماعة أو شريحة من شرائح الشعب اليمني العظيم احتكاره لنفسها ولذاتها فقط!
لسنا في إطار التشكيك بالحشود الهائلة التي خرجت الى ميدان السبعين، السبت قبل الماضي، ولا نقلل من أهميتها الكبيرة في هذا المضمار، إنما لنوضح جزءاً من ملابسات بعض الأمور الخاطئة التي وصلت الى بعض المعنيين وصناع القرار في الجانب الآخر، وفي (عُجالة من أمرها) لتقول لهم بأن (بمقدورهم اللعب على حبل التفرقة والاختلاف، وأن باستطاعتهم أن يواصلوا منفردين وبعيدين عن شركائهم الذين يخوضون معهم غمرات الدفاع المقدّس عن الأرض والعرض والهوية الوطنية الجامعة)! 
الوفاء بالتزاماتنا هو دين وهوية كما قال السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير، ولا مساومة، ولا كذب ولا غش حول هذا الجانب، وليس أنصار الله من يخدعون حلفاءهم أو يتركونهم في منتصف الطريق، وإلى هنا ويكفي!

أترك تعليقاً

التعليقات