عبدالرحمن هاشم اللاحجي


أثارت المقابلة التاريخية للناطق الرسمي باسم الوفد الوطني محمد عبدالسلام، اهتمام الأوساط الدولية والمحلية المعنية بالملف اليمني، كونها تضمنت ردوداً كاشفة وصريحة حول مستقبل المشاورات القائمة فيما لو استمر الرضوخ والإذعان الأممي للإملاءات الابتزازية السعودية، قائماً بطريقة فجّة وغير منصفة، حد تعبير الأستاذ عبدالسلام على شاشة قناة (الميادين) الفضائية، الاثنين الماضي.
المقابلة التي وصفت بأنها الأكثر جدلاً في الأوساط البراجماتيكية الدولية المضادة، تناولت التحديات الكبيرة التي تواجه القضية الوطنية، وطرقت الجوانب العويصة التي تقف أمام التعجيل بالتوصل لحل سياسي شامل ونهائي للمشكلة اليمنية العالقة. ومع أن طرح الرجل أتى ـ كما يبدو ـ كرد سياسي منطقي وعقلاني لتفنيد ما ورد في الورقة السعودية المقدمة للمبعوث الأممي ولد الشيخ (كشفت بعض تفاصيلها القناة المستضيفة مؤخراً)، لكنه لم يتردد عن كشف خفايا اتفاقية ظهران الجنوب التي وقعها ممثلون عن أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام، خلال فترة النصف تهدئة الماضية، وإن من باب التلميح بالتعليق لا التنصل أو النسف لبعض نصوصها المدفونة.
رؤية الوفد الوطني لترتيبات وجدولة الجولة الثانية من المشاورات القائمة، كانت واضحة وثابتة في تصريح عضو الوفد الوطني المشارك المهندس حمزة الحوثي، حيث أكّد في مؤتمره الصحفي المنعقد عشية وصول الوفد المشارك مطار صنعاء الدولي، قبيل إجازة عيد الفطر المبارك، أن (الوفد لا يمانع بعقد جولة أخرى من المشاورات، على أن يتم استئنافها من النقطة التي توقفت عندها نتائج الجولة الأولى، وأن أي تصعيد ميداني أو مخادعة جديدة ستكون غير مقبولة، وسيترتب عليها نتائج غير مرجوّة للطرف الآخر).
الموقف القوي الذي ظهر به الوفد الوطني في جولة المشاورات الأولى، ظل كما هو. في بداية الجلسة الأولى من الجولة الثانية للمشاورات، تقدم ولد الشيخ بمجموعة من الأجندات الجديدة، المحددة لجلسات التفاوض، فأعلن الوفد الوطني اعتراضه حولها، والتقى على خلفية تلك المخالفات المشينة، بوزير الخارجية الكويتي، وأبلغه موقفه من تلك الأجندات، ولكن الورقة المقدمة من المملكة السعودية، والتي التزم بها ولد الشيخ حرفياً في جلسات التفاوض السابقة، وكشفت المصادر الغربية جزءاً من بنودها، جعلت عبدالسلام يخرج مباشرة الى شاشات التلفزة، محتزماً جنبيته اليمانية الأصيلة، ويحذر من انقلاب سياسي وشيك، ويحمل ولد الشيخ والمملكة السعودية مسؤولية ذلك الانقلاب، ويتعهد بمواصلة الكفاح حتى الانتصار الحاسم.
تتضمن الورقة المقدمة من المملكة السعودية الى المبعوث الدولي، بنوداً استفزازية وغير منطقية تقتضي توقيع الطرفين على مسودة الحل النهائي في مكة المكرمة في تاريخ يحدد لاحقاً، كما تحتوي على آلية لتسليم السلطة الى نائب للرئيس، على أن يقوم بتعيين رئيس وزراء، كما يقوم الأخير بتشكيل حكومة خلال 30 يوماً، وآلية أخرى لتسليم السلاح ابتداء من المنطقة (أ) والتي تقول بأنها محصورة في (صنعاء - الحديدة - تعز)، إضافة الى تكوين لجان عسكرية يتم الاتفاق عليها لاحقاً، على أن جميع تلك البنود حظيت بإعجاب ولد الشيخ ومباركته، لكنها لم تكن محل إعجاب الوفد الوطني الذي قدّم رؤيته المنطقية في مقابلة عبدالسلام، حينما شدد على ضرورة أن يكون الحل يمنياً خالصاً بعيداً عن التدخلات الأمريكية والسعودية، ودعا إلى إعادة النظر في موضوع تسليم السلاح، وأشار الى أن هناك أطرافاً كثيرة تحمل سلاحاً ثقيلاً، وتهدد مستقبل الدولة المرجوة، كجماعة أبي العباس في تعز، والجماعات المتطرفة في مأرب وشبوة والجوف، كما قال إن (مأرب والجوف مدن متخمة بالسلاح، فمن غير المنطقي أن تكون خارج إطار المجموعة (أ)، ويفترض أن تبدأ الدولة من تلك المدن). ولكن أين الدولة أولاً؟!
يرى مراقبون أن المملكة السعودية تدفع بثقلها الإقليمي والدولي نحو حل سياسي يكون لها نصيب الأسد منه، متوهمة أنها ستستطيع تعويض ما عجزت عنه في الميدان على طاولات السياسة، لكن القوة الصاروخية في الجيش واللجان الشعبية رفضت تلك الأوهام المخدوعة بطريقة عقلانية ومنطقية، حينما أفصحت عن إنتاجات ذاتية لصواريخ باليستية يصل مداها لـ70 كيلومتراً، وأدخلتها فعلياً الخدمة  بعد ساعات فقط من مقابلة عبدالسلام، باستهداف معسكر للحرس الوطني السعودي بمدينة نجران الحدودية.
يقول عبدالسلام: مستمرون في المشاورات ولن نقبل بأي حل لا يلبي مطالب شعبنا، وعلى السعودية أن تعي أن الحرب لم تعد كما كانت، فأي يمني سيسقط شهيداً على الأرض اليمنية، سيقابله قتيل أو عشرات القتلى السعوديين في العمق السعودي. وأشار الى أن المملكة تشتكي من مقتل قرابة 100 عسكري سعودي قتلوا في الحدود خلال فترة التهدئة، لافتاً إلى أن ما حدث ليس أكثر من ردة فعل طبيعية تجاه الخروقات السعودية في كهبوب ومأرب ونهم وأماكن كثيرة أخرى.
التصريحات النارية التي أدلى بها عبدالسلام، أتت بعد جهود دبلوماسية رفيعة بذلها الوفد في إطار إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح، ولعل آخرها اللقاء الذي جمعه بوزير الخارجية الكويتي خالد الأحمد الصباح، بعد يومين فقط من اللقاء المثير لعبدالسلام، خرج الوزير الكويتي إلى وسائل الإعلام محدداً سقفاً زمنياً للمشاورات، قال بأنه سيكون 15 يوماً فقط، وعلى الوفود أن تحزم أمتعتها بعد المدة المحددة، ويبدو أن الوزير (المُحق) كان قد وصل إلى شبه قناعة بتعثر أي حل سريع وحاسم، خصوصاً بعد أن بذل جهوداً مضنية مع الرياض ووفدها المفاوض بهدف إقناعهم بالعودة إلى جادة الصواب، ولكن دون فائدة!
يرى محللون أن عبدالسلام كان موفقاً بدرجة كبيرة في تفنيد ما جاء في الورقة السعودية المقدمة، فالرجل كشف المستور بثقة مطلقة حينما لمح بتعطيل اتفاقية ظهران الجنوب، ووصف ولد الشيخ بالشخص الخطير المساعد على الانقلاب، كما أنه وضع أمريكا والمملكة السعودية ووفدها المفاوض أمام الأمر الواقع عندما ألقى بنصف كرة الوفد الوطني أمام القوة الصاروخية اليمنية، طالباً من الجيش اليمني أن يكون على أهبة واستعداد لردع أية محاولات قد تُعكّر أجواء المؤتمر المنعقد، بينما أبقى نصفها الآخر على طاولات الحوار، وهو بذلك يهدف لحرق الورقة السعودية المقدمة، وقد نجح وبجدارة أيضاً.

أترك تعليقاً

التعليقات