حكومة الإنقاذ.. تحديات وآمال
 

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

في كل مرة تتعثر فيها المفاوضات اليمنية وتصل إلى طريق شبه مسدود بسبب المراوغة الأمريكية المفضوحة التي تتخلل أغلب أروقتها وجلساتها بلا مواربة أو تمييز، تأتي الحكمة اليمانية ملبية لطموحات وآمال شعبها الصامد في وجه أكبر مؤامرة دولية شهدتها البشرية، عبر تحركاتها الفاعلة والقوية في المشهد السياسي العام رغم ضبابية مواقفها أحياناً، وتأخرها في أحايين كثيرة.
انهارت مفاوضات الكويت الثانية نتيجة التعنت السعودي السافر، فأعلنت القوى المناهضة للعدوان عن تشكيل المجلس السياسي الأعلى، ومنحته ثقتها وزخمها، ودعمته بإرادة شعبية عارمة من خلال الحشود المليونية التي خرجت إلى ميدان السبعين، وإرادة دولية متمثلة في الموقف الروسي المبارك لها، حينها سارعت القوى العالمية، وعلى رأسها أمريكا - بريطانيا، بعقد اجتماع في مدينة جدة السعودية وصفته بـ(الاستثنائي)، وأعلنت عقب انتهائه عن مبادرة مفضوحة سمتها (مبادرة الفرصة الأخيرة)، ثم توارت عن المشهد السياسي، وتركت بارجاتها الضخمة للصياد اليمني المحترف الذي أفرحه صيده الثمين كثيراً، لولا أن المفاوض اليمني أمره (بالتريث)، والهدوء.
تأخرت الرباعية الدولية، وماطلت كثيراً بالإعلان عن الجزئيات الأساسية في مبادرتها المشؤومة، واكتفت بما أعلنت عنه في الاجتماع السابق بمدينة جدة، ونقصد بذلك الخطوط العريضة للمبادرة، واستمرت على ذلك الحال لأكثر من شهرين متتابعين، ومع بلوغ المراوغة الأمريكية حداً لا يمكن السكوت عنه، أعلن المجلس السياسي الأعلى، في خطوة تصعيدية ثانية، عن شخصية رئيس الحكومة الحالي السيد (عبدالعزيز بن حبتور)، وأحجم عن تسمية أعضائها بغية معرفة أين سيكون الموقف الأمريكي - البريطاني؟ وما هي خياراته القادمة؟ وبالفعل لم تمض سوى أيام حتى سارعت الرباعية الدولية بعقد اجتماع آخر في العاصمة البريطانية لندن، ومن هناك ذهب الوفد الوطني إلى العاصمة العمانية مسقط, حيث جرى التوقيع على المبادئ الأساسية لخارطة الطريق الأممية مع الجانب الأمريكي، حسب تصريحات رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام، في ذلك الوقت. 
مرة أخرى عادت المراوغة الأمريكية للعب مع المفاوض اليمني الصلب، وعادت خيارات الشعب اليمني وأوراقه القوية بالظهور مجدداً، حيث أشار محمد عبدالسلام، السبت قبل الماضي، في مقابلة مع قناة (المسيرة)، إلى أن (نجاح ما تم التوافق عليه في العاصمة العمانية مسقط، مقترن بمدى الجدية الأمريكية بالتنفيذ)، ولفت إلى أن وفده المفاوض (تلقى وعوداً من الجانب الأمريكي بإلزام الرئيس المخلوع هادي بالتوقيع على ما تم التوافق عليه، دون علمه، وموافقته)، ودعا في ذات السياق المجلس السياسي الأعلى الى تسمية أعضاء الحكومة حتى لو انزعج الخارج، حد وصفه. وعلى الفور أعلن رئيس حكومة الإنقاذ تسمية أعضاء حكومته البالغ عددهم 42 وزيراً، بالتزامن مع العيد الوطني الـ49 لجلاء آخر مستعمر بريطاني عن الجنوب اليمني. 
تأتي الحكومة الجديدة في ظل واقع داخلي مزرٍ، فمؤسسات الدولة اليمنية باتت منهارة بفعل الغارات العدوانية، والحرب الاقتصادية الممنهجة، وما تبقى منها متعافياً أصبح في حكم (المشلول)، فلا موارد أو أموال كافية بإمكانها إعادة المياه الى مجاريها أو بعضها على الأقل، ولكن الشعب اليمني يعلق آمالاً قوية على هذه الحكومة، لأسباب كثيرة أهمها الفراغ السياسي الكبير الذي أدى إلى شل مقومات حياته الوجودية، وقد أعطاها ثقته المطلقة حين خرج عصر الأربعاء بحشود مليونية لا تقل أهمية عن الحشود التي خرجت الى ميدان السبعين، لإضفاء الشرعية على المجلس السياسي الأعلى، ومن المؤكد أيضاً أن ما حظي به المجلس السياسي الأعلى من اعتراف دولي وإقليمي، ستحظى به الحكومة الجديدة باعتبارها منبثقة عنه ومسيرة لأعماله وتوجيهاته.
من المحتمل أن قرار تشكيل الحكومة سيؤثر إيجاباً على مسار المفاوضات القائمة، ويدفع بها نحو إيجاد حل سياسي سريع، لكنه لن يكون (نهائياً) أو (شاملاً)، بل (مجتزأ) كعادته، وعلى الطريقة الأمريكية الرامية إلى إنهاء ما تبقى من وجود يمني على كوكب الأرض، فكيف ستتعاطى الحكومة مع شعبها الذي منحها ثقته المطلقة والعارمة، وألقى بآماله على حبالها؟! لا نعرف، وسنترك الأيام للإجابة عليه.
كلمة السيد بن حبتور، رئيس الحكومة الحالية، ليلة الإعلان التاريخي العظيم، ووعوده التي أطلقها للشعب، جيدة، وتمنح قدراً كبيراً من التفاؤل والسعادة، وتزيح هموماً كثيرة من على كاهل أغلب أبناء الشعب اليمني، خصوصاً في المحافظات الجنوبية، المتطلع لحرية جديدة على غرار الحرية التي نالها أواخر ستينيات القرن الماضي، من الاحتلال البريطاني الجاثم اليوم بأدوات جديدة - معاصرة، ولكن تبقى الأفعال وحدها سيدة المواقف وبراهين صدق النوايا، فلنراقب عن كثب، ولندع الأيام نفسها تتحدث. 

أترك تعليقاً

التعليقات