هل يصدق الشيطان؟!
 

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

ظلت الولايات المتحدة الأمريكية بتعدد حيلها، ومكائدها، وأساليبها الشيطانية الخطيرة، متخفية متوارية عن المشهد الميداني والسياسي لجميع المفاوضات، والنزاعات، والحروب التي شهدتها الجغرافيا اليمنية من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، طيلة وصايتها الاستعمارية الكهنوتية على الشعب اليمني العظيم.
وعلى الرغم من انكشافها الفاضح في خضم الأحداث التي رافقت موجة الربيع العربي الأول، عندما أظهرت كاميرات الإعلام، وبشكل تدريجي وترويضي ماكر، سفيرها السابق في اليمن جيرالد فايرستاين، كمحرك للقرار السياسي والعسكري والاجتماعي اليمني، من خلال اجتماعاته القوية والمؤثرة بمشائخ القبائل، وحضوره الفاعل في أغلب جلسات مجلس النواب التقليدي، ومشاركته رسمياً في الحرب المزيفة على ما كان يعرف بالقاعدة في الجنوب ومحافظة أبين على وجه الخصوص، إلا أن السياسة الأمريكية الماكرة كانت مرتكزة على نظام داخلي هش منحته شرعيتها المخادعة، ودفعت به لمواجهة الامتداد الثوري العارم القادم من كل بيت يمني دون استثناء، الأمر الذي حال دون الوصول الى المارد الأمريكي الأصلي أو الظفر به.
لقد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية بكل قوتها وثقلها عبر سفارتها السابقة في صنعاء، الى احتواء موجة الغضب الثورية القوية التي أطاحت بما تبقى من مراكز نفوذ تقليدية مرتهنة لأطراف خارجية هي أولها، ولعبت دور الراعي لاتفاقية السلم والشراكة الوطنية، حتى تضمن تواجداً شكلياً للرئيس الفار هادي، ولم تكتفِ بالإيعاز لفأرها المدلل هادي بنقض الاتفاقية الموقعة بين اليمنيين فحسب، عندما أوهمته بأن تقديم استقالته إلى مجلس النواب اليمني، سيعمل على إيقاف المد الثوري الهائج، أو تحجيمه على الأقل، بل ساعدت وبشكل كبير في دعم ومساندة عناصر القاعدة في الجنوب والشمال، ولقد بدا ذلك واضحاً وملموساً إبّان انطلاق العدوان البربري الغاشم على اليمن، عندما رُفع الستار عن الحقيقة الناصعة التي وضحت بجلاء عمق الارتباط الروحي والوجداني بينهما.
فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في خوض ما تبقى لها من حروب تدميرية على الرقعة اليمنية من (خلف الستار)، كما اعتادت أن تصنع في أيام شبابها المترهل، فدخلت الى جانب دول التحالف في العدوان الكوني البربري على اليمن، كمخطط، ومنسق، وممول، وداعم، ومحارب عبر شركاتها الأمنية كـ(بلاك ووتر)، وأعلنت عن موقفها بتصريحات رسمية فاضحة أتت هذه المرة من البيت الأبيض، ولم تأت على لسان سفيرها المنفي في جدة (ماثيو تولر)، ومع أنها لم تعلن دخولها المباشر في الحرب على اليمنيين بأساطيلها وجيشها وقوتها الذاتية الخارقة، إلا أنها وجدت نفسها بعد معارك سياسية عنيفة تنقلت ما بين (جنيف) و(الكويت)، أمام المفاوض اليمني في العاصمة العمانية (مسقط) وجهاً لوجه، ونداً لند.
الأستاذ محمد عبدالسلام، رئيس الوفد الوطني المفاوض، أعلن في مسقط توقيعه الى جانب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، على ما قال إنها (المبادئ الأساسية) لاتفاقية جديدة تقضي بحل المشكلة اليمنية وفق المرجعيات السابقة، مع إلزام العدو السعودي بتنفيذ ما ورد في اتفاقية جدة، ومنها رفع الحصار وإيقاف الغارات، ولكن يبدو أن تلك الوعود القاطعة التي ألزم الأمريكيون أنفسهم بتنفيذها مقابل ضمان ممر مائي آمن لجميع السفن التجارية الأمريكية وغير الأمريكية، لم تلقَ أية استجابة! وها هو اليوم الـ10 على التوالي يمضي بعد إعلان وقف النار من قبل الجانب الأمريكي، فيما الطائرات السعودية لا زالت تعربد في سماء صنعاء وبقية المحافظات اليمنية الأخرى من جهة، ومن جهة أخرى تبدو الزحوفات العسكرية التي تقوم بها عناصرها وأذيالها في ميدي ونهم وتعز، شرسة وقوية وانتحارية، وتلقى الدعم والتمويل والمساندة اللازمة.
الحديث حول التزام الأمريكيين بما يتم التوافق عليه على طاولات السياسة، مضيعة للوقت، لأنه يناقض الاستراتيجية الأمريكية الرامية الى تفتيت الجغرافيا الشرق أوسطية عموماً، إنما تكفي الإشادة بما يتم التوقيع والتوافق عليه، لأنه يكشف بوضوح حجم الانخراط الأمريكي المباشر في القضية اليمنية العالقة، ويزيل التشويش المتراكم والمترسب من على معظم أدمغة وعقول البشر المتأثرين بالطبخات الإعلامية الأمريكية، والتي تقدم أمريكا على أنها راعي السلام الأول والحافظ الأمين لاتفاقياتها السياسية الكثيرة مع مختلف شعوب وحكومات العالم. 
إن مجرد التعويل أو التكهن بالتغير السطحي في السياسة الأمريكية الكاذبة والسافرة تجاه شعوب العالم الراغبة بالتحرر من وصايتها الاستعمارية، غباء لا يضاهيه إلا غباء الحيوانات إن لم يكن أفدح منه، بدليل ما (حدث)، ويراد له أن (يتكرر) بصورة نمطية مشابهة لا تختلف عن سابقاتها من الكذبات المخادعة التي أعادت اليمنيين الى القرون الغابرة والوسطى، ومن يشكك في ذلك أو يعول على هامش وفاء يأتي من قبلها مهما كان بسيطاً، فليسأل نفسه أولاً: هل يصدق الشيطان؟!

أترك تعليقاً

التعليقات