البحر المسجور
 

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

على عكس الدورة المناخية الطبيعية لفصول السنة الميلادية، يبدو خريف هذا العام ساخناً في المياه المالحة للبحر الأحمر، حيث تتدفق الى نقاط التماس الواقعة في أدق الأماكن وأكثرها حساسية للمصالح الجيوسياسية للأطراف الدولية ذات الاهتمام، المزيد من الحشود والسفن والأساطيل العسكرية المتطورة، خصوصاً بعد أن أوصلت المخادعات الأمريكية المفضوحة مشاورات المفاوضات السابقة في (جنيف) ـ(الكويت) ـ(مسقط) الى طريق شبه مسدود، وبات على اليمنيين البحث عن خيارات استراتيجية أكثر إيلاماً، وفتكاً بالعدو، وتنكيلاً به!
القوات البحرية اليمنية اصطادت، مساء السبت الماضي، سفينة حربية إماراتية بالقرب من مضيق باب المندب الاستراتيجي، كانت تحاول عبثاً تقديم الدعم اللوجستي لعناصرها المتمركزة هناك، حينها وفي غضون ساعات فقط من الحادثة التي أدانتها الأمم المتحدة، ووصفتها على لسان أمينها العام بأنها (الأخطر في تاريخ الصراع)، سارع البنتاجون الأمريكي لكشف معلومات مفصلة عنها بما فيها (نوع الصاروخ) اليمني الذي طعنها في القلب والظهر والخاصرة (دون رحمة)، ودعا الى (ضبط النفس وإفساح المجال للحل السياسي)، واعتبره خياراً وحيداً لإنهاء المشكلة العالقة بين اليمنيين، ولكن يبدو أن مياه البحر الأحمر قد فارت بشكل غير مسبوق على المراوغات الأمريكية المتكررة، ولم يعد هناك مجال لضبط النفس فوق أمواجها الساخنة، إلا في حدود المعقول، وقبل أن تصل الى درجة الغليان والتبخر.
من ناحية متصلة، أجرت البحرية اليمنية مناورات عسكرية كبيرة في السواحل التهامية المطلة على مدينة الحديدة، وبالقرب من ميناء المخا الاستراتيجي، حيث المضيق المائي الأهم للعالم، وكشفت أثناء تلك المناورة المتحدية عن أسلحة نوعية جديدة قالت إنها ستدخل الخدمة قريباً، إضافة الى استخدامها طرقاً وأساليب مبتكرة في معارك البحار على مستوى الأفراد والمعدات، وهو الأمر الذي أثار البحرية الأمريكية المتواجدة بكثرة في المياه الدولية للبحر الأحمر، ودفعها للتقدم أكثر صوب المياه الإقليمية الواقعة تحت السيادة اليمنية، إلا أن الدرس الساحق الذي ألحقه اليمنيون بالسفينة الإماراتية (سويفت)، جعل الأمريكيين يراجعون حساباتهم، ويرسلون المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، الى مسقط، بهدف تلطيف الأجواء السياسية للتفرغ لحلحلة الملف السوري الذي يشهد هذه الأيام المزيد من التصعيدات العسكرية المخيفة. 
المبعوث الأممي لليمن طار، الخميس الماضي، بشكل مفاجئ، الى العاصمة العمانية مسقط، والتقى بأعضاء من الوفد الوطني المحتجز هناك منذ شهرين، واستمع الى رؤيتهم الثابتة للمرة الـ20 على التوالي، منذ أن تم تكليفه بإمساك الملف اليمني من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، في الـ25 من نيسان 2015، وأبلغهم استياء الأمم المتحدة من استهداف السفينة (سويفت)، ودعا الى هدنة إنسانية لمدة 3 أيام لم تستمر سوى دقائق معدودة حتى انتهكتها الطائرات السعودية في وضح النهار. ولقد كان واضحاً من خلال جلساته التشاورية خلو جعبته المخادعة من أدنى أبجديات الحل السياسي، حيث اكتفى بتوزيع العديد من الوعود الكاذبة ـ كما هي عادته ـ بالتوصل الى حل سياسي شامل وكامل، ولكن متى؟! ربُما قبل أن تقوم الساعة بساعات قليلة!
اليمنيون حزموا أمتعتهم لمعركة طويلة تستمر حتى توافر الجدية الأممية، وبالذات الأمريكية، في التوصل الى حل شامل وكامل، ولكن ذلك لا يعني أن الحرب ستبقى بالشكل الذي تريده أمريكا أو السعودية الى أبد الآبدين، بل ستأخذ منحنيات ومنعطفات أخرى، فالمجلس السياسي الأعلى أصدر قراره التاريخي بتكليف الأستاذ عبدالعزيز بن حبتور بتشكيل الحكومة التوافقية، وترك المدة مفتوحة، ربما ليراجع الأمريكيون حساباتهم خلالها. كما أن المناورات الحربية التي يقودها رئيس اللجان الثورية هذه الأيام في الجبال والسهول والبحار، باتت تؤرق الساسة الأمريكيين، وتثقل كاهلهم، وما عليهم سوى الاستسلام لرغبة اليمنيين بإنهاء المشكلة اليمنية وبسرعة، ما لم فقد جنت على نفسها براقش.

أترك تعليقاً

التعليقات