عبدالرحمن هاشم اللاحجي

بعد يومين فقط من لقائه قيادات داعشية في محافظة البيضاء، كشفت وسائل إعلامية تابعة لحكومة الرياض أن رئيس الوزراء في الحكومة اليمنية المقالة أحمد عبيد بن دغر، التقى عصر الأربعاء الماضي، في مقر إقامته الدائمة بالرياض، السفير الأمريكي المنفي ماثيو تايلور، وذلك على هامش جدول أعمال الأخير، حيث كُرّس اللقاء لبحث سُبل التعاون وتقديم الدعم الأمريكي وفق القرار الأممي 2216 ومرجعيات المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني. وخرج اللقاء بتعهد (تايلور) بمواصلة تقديم الدعم الأمريكي لما قال إنها (شرعية هادي) حتى النهاية!
اللقاء الذي سبقه مؤتمر صحفي لمندوب وفد الرياض السابق في مؤتمر الكويت عبدالملك المخلافي، قال فيه إن (خيار الحرب ليس خيارنا)، في إشارة الى الدور الأمريكي المباشر في استئناف العدوان، أعقبه بيان لحكومة الرياض تضمن في فحواه العام دعوة مبطنة للمجتمع الدولي، وعلى رأسه أمريكا، بشن عدوان جديد على اليمن، وإن بلغة دبلوماسية رفيعة هذه المرّة، عبر تقديمه الشكر الجزيل لدول التحالف، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، نظير ما قدمته للعناصر الراديكالية المتطرفة من خدمات مجانية في الانتشار والتغلغل، وما أحدثته من دمار هائل للبنية التحتية اليمنية، وقتل وتشريد لعشرات الآلاف من الأسر اليمنية. كما تناول موقف حكومة الرياض من تشكيلة المجلس السياسي الأعلى، ودعوة مجلس النواب اليمني لعقد جلساته بصورة دورية وعاجلة.
المجلس السياسي الأعلى الذي خلط الأوراق من على الطاولة المستديرة في مؤتمر الكويت، كان قد أثار استياء الأمريكيين قبل غيرهم، عندما خرج وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري)، ليلة الإعلان التاريخي العظيم، مُدلياً لوسائل الإعلام  المختلفة بتصريحات مرتبكة قال فيها إن تلك الخطوة (يقصد تشكيلة المجلس السياسي)، من شأنها أن تغرق عملية السلام الجارية في اليمن، كما وصفها بالخطوة الأحادية الجانب والمخالفة لقرارات مجلس الأمن والآلية التنفيذية لدول مجلس التعاون الخليجي، ليعقبها وفي ذات السياق تحركات أمريكية غير مسؤولة تدفع باتجاه استمرار الحرب، وتحث الرياض على المزيد من التحدي والعنترية، حيث كُللت مؤخراً بصفقة أسلحة متطورة عبارة عن 130 دبابة إبرامز قدمتها واشنطن لحليفها المشاغب، مقابل 1.15 مليار دولار.
المراوغة الأمريكية التي حالت دون التوصل لحل سياسي شامل وحاسم للمشكلتين اليمنية والسورية، طيلة المؤتمرات الدولية السابقة، كانت واضحة وجلية في مؤتمر الكويت بشأن اليمن، عندما حاولت الولايات المتحدة فرض مشروع الأقاليم على طاولة الحوار من خلال الرؤية الأممية التي تزعمها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، كما أن السفير الأمريكي (ماثيو تايلور) الذي لعب دوراً بارزاً في احتضان عناصر الرياض ولا يزال حتى الآن، كان على رأس الدول الـ18 الراعية للتسوية السياسية، حيث كشفت الجلسات التشاورية الأخيرة التي عقدها الوفد الوطني مع سفراء تلك الدول، حجم التأثير الأمريكي على المبادرة المقدمة من طرف سفارة (تايلور) لدرجة أن المفاوضات الأخيرة - الفاشلة تمت بين ممثلي الوفد الوطني وسعادة السفير الأمريكي المنفي رأساً، وبدون حواجز أو اعتراض من قبل بقية السفراء الحاضرين.
حجم التأييد الأمريكي والبريطاني لإحاطة ولد الشيخ المقدمة لمجلس الأمن قبل إعلانه رسمياً عن فشل مشاورات الكويت، والتي تضمنت دعوة مجلس الأمن لاستصدار بيان يدعو الوفد الوطني للتعاون مع  المبعوث الأممي، كشف هو الآخر عن الوجه الأمريكي المتستر خلف عباءة الحياد، والرغبة بإيجاد حل سريع وشامل للمشكلة اليمنية الآنية، ومع أن ذلك التأييد المخادع كان عُرضة للإحراج والسخرية أمام مجلس الأمن، نتيجة الموقف الروسي القوي الذي عبّر عنه مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، بقوله: (للأسف مايزال هناك أطراف دولية لايروق لها الحل في اليمن، بالرغم من مرور أكثر من 16 شهراً على العدوان).
الموقف الروسي الصارم أعقبته تحركات دبلوماسية إيرانية سريعة، حيث طار الرئيس حسن روحاني الى روسيا، ونجح في تشكيل تحالف ثلاثي ضم (إيران - روسيا- تركيا)، وما عزز نجاح ذلك التحالف هو الإعلان التركي الأخير بالانضمام لمواجهة داعش في سوريا وبلاد الشام، كما أن الاتصالات الهاتفية بين مسؤولين دبلوماسيين إيرانيين ونظرائهم الأوروبيين، لم تتوقف، فالصبر الاستراتيجي الإيراني على المماطلة الأمريكية في ما يتعلق بالتزاماتها تجاه الملف النووي الإيراني، قد تجاوز سقفه وزاد عن حده المعقول، وهو ما أكده بالفعل وزير الخارجية الإيراني عندما قال إن (اليد الممتدة للأمريكان فقدت صبرها)!
لا أحد بإمكانه الرهان على الوعود الإيرانية، لأنها حتماً ليست قطعية مثلها مثل المواقف الإيرانية السابقة، التي كان بعض المسؤولين الإيرانيين يدلون بها في لحظات عنترية-منتشية، خصوصاً في ما يتعلق بالملف اليمني العالق، إنما يمكننا القول بأن الحرب القادمة إن نشبت بين القوى العالمية الكبرى، فستخفف من الضغط الأمريكي الهائل تجاه اليمن، وهذا بالتأكيد سيمكن اليمنيين من إحداث تغيير جذري في منظومة الحكم العالمي الراهن، وسيدخلون الساحة الدولية من أوسع أبوابها، وهذا ما يخشاه الأمريكيون ومناوئوهم، ولذلك سيتحاشونها ما استطاعوا! 

أترك تعليقاً

التعليقات