ما بعد مبادرة (ولد الشيخ)
 

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

من نفس المطار الخالي من الطائرات باستثناء طائرته الخاصة والوحيدة التي حطت رحالها في ما تبقى متعافياً من مدرجاته المدمرة بفعل ضربات العدوان، غادر المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، عصر الثلاثاء الماضي، العاصمة اليمنية صنعاء، متوجهاً إلى دولة عمان الشقيقة، بعد أن أجرى سلسلة لقاءات مع أعضاء الوفد الوطني، سلّمهم خلالها مسودة المبادرة الأممية التي قال عنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، عقب مؤتمر رباعية لندن الأخير، بأنها (فرصة لا يمكن تعويضها). 
الوفد الوطني، وبعد لقائه الأخير بولد الشيخ، بدقائق، أكّد في بيان مريح للأعصاب أنه استلم بالفعل المبادرة الأممية، وأشار إلى أن ولد الشيخ أبلغه بأن الطرف الآخر يعني (وفد الرياض) استلم نسخة مماثلة عبر وكلائه هناك في نفس الساعة، وقال: (استلمنا المبادرة الأممية على اعتبار أنها تمثل حلاً شاملاً وكاملاً للمشكلة اليمنية العالقة، وسنقوم بعرضها على القيادة السياسية لتحديد ما إذا كانت ستمثل أرضية مناسبة لانطلاق جولة جديدة من المفاوضات أم لا).
المبادرة الأممية التي حملتها جعبة المبعوث الأممي تمثل خارطة طريق أمريكية سبق أن أعلن عن بعض خطوطها العريضة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في مؤتمر صحفي بالرياض، بعد انتهاء مؤتمر رباعية جدة الأول بشأن اليمن، فيما ظلت مضامينها الجزئية مخفية عن وسائل الإعلام طوال أكثر من 70 يوماً، ومجيئها عبر (ولد الشيخ) ليس أكثر من استجابة أمريكية لموقف الوفد الوطني الذي دعا أثناء احتجازه في العاصمة العمانية مسقط، إلى (تقديم أي مبادرات عبر الأمم المتحدة ومبعوثها العام)، واعتبر الولايات المتحدة الأمريكية نفسها (رأس حربة) في العدوان على بلاده.
السيد عبدالملك الحوثي، وفي خطاب متلفز بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي، قطع الطريق تماماً أمام كل المحاولات الأمريكية المخادعة، عندما دعا إلى استكمال تشكيل الحكومة، وإلى التحلي بالمزيد من اليقظة، والانتباه، وإلى رفد الجبهات بالمزيد من المقاتلين، قائلاً: (إن اعتمادنا يجب أن يكون على الله وحده، وليس على أي مبادرات لا تلبي مطالب الشعب اليمني)، وهو بتلك الخطوة الحريصة على مستقبل اليمن، والحاملة للقضية الوطنية بثبات ومسؤولية عالية، بعثر البنود الجزئية لمضامين تلك المبادرة المخادعة في سماء مران، مثلما بعثر بنو أمية رفاة الإمام زيد في نهر دجلة والفرات، كما أوصل رسالة ضمنية إلى كل المنقبين والباحثين حول جزئيات تلك الخارطة، مفادها: (أنها لا تختلف عن غيرها من الحيل والمكائد الأمريكية الرامية إلى تجزئة وتفتيت الجغرافيا اليمنية وفرض خيار الأقاليم). 
وفد الرياض، وفي تصريحات مستغربة، وخجولة، قال وعلى لسان بعض قيادات حكومة هادي، إنه لم يستلم أية نسخة من مسودة الحل التي عُرضت على الوفد الوطني، وحتى هادي بنفسه خرج في اليوم التالي بتصريحات قال فيها إن (أية مبادرة لا ترتكز على المرجعيات السابقة مرفوضة جملة وتفصيلاً)، في إشارة إلى أنه لم يستلم أية مبادرة بهذا الخصوص، ومن الواضح أيضاً أن الرياض نفسها لم تكن على علم بمضامين ما طرحه ساسة البيت الأبيض طي خارطتهم المشؤومة، بالرغم من التواجد اللافت لوزير خارجيتها عادل الجبير، في أغلب الجلسات التي تمت للتباحث حول الملف اليمني، ونعني بذلك اجتماع نيويورك، ومؤتمري جدة، ولندن، ولو كان بحوزتها أية معلومة لما بخلت بها على مرتزقتها وأعوانها، أو على الأقل لما جعلتهم يدلون بتصريحات فاضحة تكشف مدى الانقياد السعودي الأعمى خلف السياسة الأمريكية اللعينة.
من المؤكد أن الأمور ستحتدم أكثر ما لم تكن هناك توجهات أممية جادّة نحو إيجاد حل شامل و(سريع) يلبي تطلعات الشعب اليمني نحو الدولة المدنية الحديثة، ويمهد لإحلال السلام في اليمن، ويحافظ على مصالح الدول العالمية التي تأثرت كثيراً بفعل العدوان وتداعياته المستمرة، لأن الحكومة المزمع استكمال تشكيلها في القريب العاجل، لن تنتظر الموافقة الدولية الشاملة أو الإذن الدولي بالبدء في اختيار وزرائها وتنقيتهم حسب المزاج الأمريكي، أو البريطاني، بل سيكون مزاجاً يمنياً خالصاً يفرض نفسه على الجميع، وبكل السُّبل والعوامل المتاحة. 
لا نعرف كيف ستواجه الحكومة اليمنية الجديدة الظروف القاسية التي يمر بها عامة الشعب اليمني، خصوصاً الورقة الاقتصادية، حيث يدخل الشهر الثالث على التوالي دون أن يقبض جميع موظفي الدولة رواتبهم الماضية، وهناك موظفون تجاوزوا الشهر الرابع، سيما العاملين في السلك العسكري، بالإضافة إلى أن المجاعة قد طالت كل منزل تقريباً، لكن ما نعرفه ونحن متأكدون منه هو أن الحكمة اليمانية ستكون حاضرة وبقوة خلال هذه المرحلة الدقيقة والحساسة في التاريخ اليمني الحديث، وستجنب شعبها وأجيالها ويلات التشرذم، والتناحر، والقحط التي ستعاني منها مختلف الشعوب العربية والعالمية في المستقبل القريب. 

أترك تعليقاً

التعليقات