عبدالرحمن هاشم اللاحجي

لم يفاجئنا الانهيار القوي في العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، لأنه كان متوقعاً، وله مقدماته، ومؤشراته الدافعة نحو هذا المضمار، مثلما لم تفاجئنا أيضاً ردود الأفعال الدولية الشامتة حيال الحدث التاريخي الأبرز في العام الحالي 2016م، نظراً لمتانة العلاقات التاريخية التي قامت بين الجانبين على أساس من التعاون على البغي والعدوان، وطالت أضرارها أغلب شعوب العالم بلا استثناء!
العالم دفع ضريبة فائقة نتيجة التحالف الاستراتيجي - التاريخي بين الطرفين، والذي استمر قرابة 70 عاماً من شحمه ولحمه ومستقبل أجياله، خصوصاً الشعب العربي والفلسطيني على وجه التحديد، فالمؤامرات التاريخية التي تخللت المنطقة العربية والعالمية منذ ستينيات القرن الماضي، ما كانت لتصبح ذات فاعلية قوية لتعدل دفة التاريخ، وتغيره في الاتجاه الذي تريده إسرائيل، لولا دخول المملكة السعودية كذراع يمنى (منقادة ومنفذة) لكل تلك الخُطط الشيطانية التي جرى حبكها في نفس المكان الذي أعلن فيه بالأمس دفن العلاقات الثنائية بينهما، ونقصد بذلك الكونجرس الأمريكي، عبر تصويت ساحق أسقط من خلاله غالبية أعضائه فيتو رئاسياً تقدم به الرئيس باراك أوباما، في محاولة لعرقلة مشروع قرار قضى بمحاكمة المملكة السعودية عن أحداث سبتمبر 2001م، وأجاز لعائلات الضحايا مقاضاتها واستلام تعويض مالي يقدره خُبراء معنيون بقرابة 3 تريليونات دولار!
ألواح سميكة من التبعية والارتهان السعودي الأعمى لم تنكسر فحسب أمام المشروع الأمريكي القادم في المنطقة الشرق أوسطية، بل تبعثرت لتصبح جزيئات صغيرة ومفتتة يسهل على الأمريكي وغير الأمريكي ابتلاعها بسهولة، وبدون حواجز أو عوائق واضحة، كما أن الزجاجة التي وضع الأمريكيون حليفهم السعودي في عنقها من خلال إقحامهم بحروب بلا قاع سواءً في اليمن أو سوريا أو العراق أو أفغانستان.. الخ، رجّها الأمريكيون جيداً قبل غيرهم حتى أسقطوها إلى قعرها، ثم أحكموا قبضتهم عليها، ولا نظن أنها ستخرج يوماً في أحسن أحوالها، هذا إن لم تفن ويتقاسم الجميع تركتها الضخمة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة!
التطرف والإرهاب عناوين رئيسية في الطبق السعودي الشهي الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية للرأي العام المحلي والدولي، ومن المؤكد أن تلك العناوين المخادعة قد رسخت عُقدة عويصة لدى الشعوب الأوروبية والآسيوية مثلما هو الحال في الداخل الأمريكي، فتلك الدول باتت تعاني على مستوى شبه يومي من العمليات الانتحارية بمختلف أنواعها وأساليبها، الأمر الذي يجعل من احتمالية ابتزازها من قبل الدول التي عانت من هكذا حوادث، واردة، وتستند إلى إرادة شعبية قوية، وإذا كانت الإدارة الأمريكية رأت أنه قد حان الوقت لذبح بقرتها الحلوب بعد أن جفت أثداؤها عن العطاء، فمن الطبيعي أن تكثر حولها السكاكين، ولن تبالي تلك الأنظمة بنوعية تلك السكاكين أكانت داعشية أم صناعة أوروبية مسجلة؟!
قيام ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ببحث وسائل الاستثمار مع وزير التجارة النيوزلندي هون ماكلاي، في مكتبه بالعاصمة السعودية الرياض، عشية إعلان الكونجرس الأمريكي تمريره لقانون (جوستا)، يؤكد أن حالة عدم الثقة والشك التي باتت تنتاب الجانب السعودي وأولهم بن سلمان في الحلفاء الدوليين، أصبحت في أعلى درجاتها، وتلك حالة طبيعية واعتيادية، خصوصاً بعد الصفعة القاسية التي تعرضت لها بلاده من أقرب الحلفاء وأكثرهم تدليلاً وتناغماً مع عتنرياته الفاشية في الشرق الأوسط طيلة الفترة الماضية، ولكن منذا الذي بإمكانه أن يضمن استثماراته في دولة صغيرة لا تستطيع حماية نفسها، في الوقت الذي تخلت عنه دولة عظمى بحجم الولايات المتحدة الأمريكية بجلالة عظمتها وقداستها لديه؟!
المحاولات السعودية المتأخرة لفتح أبواب جديدة من التحالفات أصبحت عقيمة أو لا معنى لها دون أمريكا، وحتى التحركات اليائسة التي ينصح بها بعض مطبعيها في التقرب من الكيان الصهيوني، وكللت مؤخراً بطلب رسمي من العاهل السعودي إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، تضمن السماح له بالمشاركة في تشييع الأب الروحي للإسرائيليين (شمعون بيريز)، لا قيمة لها في الأساس، لأن الورطة السعودية فادحة وعويصة وتتطلب ثورة على كل التحالفات السابقة، وهذا مستبعد، إن لم يكن مستحيلاً!
هناك أولويات في السياسة الأمريكية الجديدة، وهناك تحالفات جديدة نشأت عقب التوقيع على الملف النووي الإيراني الذي صرحت الولايات المتحدة الأمريكية قبل يوم واحد من إعلانها طي علاقتها بالمملكة السعودية، بأنها ملتزمة به، كما أن تصريحات المسؤولين السعوديين عن جهودهم الجبّارة في محاربة الإرهاب، لم تشفع لهم لدى ساسة وعتاولة البيت الأبيض، أو لم تثر انتباههم (بالحد الأدنى)، لأن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تم إعدادها وفق رؤية شاملة لشرق أوسط جديد لا وجود فيه للمملكة السعودية أو لأي من الدويلات الخليجية الصغيرة الواقعة تحت الحماية الأمريكية، مقابل مواردها النفطية الغزيرة، فقد باتت تلك الكنتونات تشكل حجر عثرة أمام تنفيذ تلك الاستراتيجية - التمزيقية، وبالتالي يمكننا القول بأن ما جرى على المملكة السعودية سيجري حتماً على بقية دول الخليج، وتلك قراءتنا السريعة، والأيام بيننا.

أترك تعليقاً

التعليقات