عبدالرحمن هاشم اللاحجي

على الرغم من حالة التوازن المحايد التي حاول المبعوث الخاص باليمن إسماعيل ولد الشيخ، أن يظهر بها في إحاطته التي قدمها إلى مجلس الأمن الدولي، الخميس الماضي، إلا أن التناقضات السياسية الفاضحة التي سيطرت على أغلب مضامين وجزئياتها كانت واضحة ومكشوفة، ولا تحتاج لمحللين أو مختصين في هذا الجانب حتى يعملوا على إظهارها وتبيانها لما تبقى من مغفلين وحمقى في هذا العالم المتخبط.
الإحاطة التي قد تكون الأخيرة في مهمة أسوأ مبعوثي الأمين العام للأم المتحدة الى اليمن، حاولت أن تساوي بين الضحية والجلادين بطريقة مخادعة غير منطقية، وذلك عندما حملت الضحية جزءاً كبيراً من تلك المسؤولية التاريخية، قائلة بأن عدم تقديمها أية رؤى أو مقترحات في ما يخص الجوانب الأمنية لخارطة الطريق الأممية الموقع عليها في العاصمة العمانية مسقط، بالإضافة الى قيامها بإعلان تشكيلة المجلس السياسي الأعلى، كانا أحد أهم الأسباب التي أدت الى تأخير عملية السلام الجارية في اليمن (ولنا هنا أن نتساءل عما إذا تم التوقيع في مسقط؟! ولماذا لم يكن الحل الأمني ضمن الحلول الأولى، الى جانب طبعاً الحل السياسي والإنساني و... الخ؟!).
نحن نتحدث عن مبادرة تم التوقيع عليها من وراء الكواليس، ولم نعرف منها سوى بعض خطوطها العريضة، ولأن مهمة عرض المقترح الأمني منوط أساساً بالأمم المتحدة، حيث أشار الى ذلك الوفد الوطني في بيانه عقب استلامه مسودة خارطة الطريق الأخيرة، عندما قال بأن المسودة التي استلمها من المبعوث العام للأمم المتحدة لم تتضمن أساساً مقترحاً أمنياً ليتم التفاوض حوله هو الآخر، واعتبر الحل السياسي بادرة إيجابية تدفع بعملية السلام نحو الأمام، أفاد ولد الشيخ في سياق حديثه المتصل بأنه سيعرض المقترح الأمني على الوفد الوطني في لقاء آخر من المحتمل أن يكون في الأردن، حسب رغبة وزير الخارجية الأردني، حد وصفه.
يريد ولد الشيخ أن يعيد المفاوضات الى ما قبل مؤتمر الكويت، وهي رغبة الطرف الآخر،  ونقصد بذلك وفد الحكومة غير الشرعية، ويناقض بذلك نفسه قائلاً بأن الوفد الوطني أبدى موافقته وتعاونه مع الخارطة الأممية التي وقع عليها منفرداً، في حين أن المخلوع وزمرته لم يقبلوا النقاش حولها من الأساس، وهو بذلك يحملهم كامل المسؤولية إزاء عرقلة السلام الجارية، وما يزيد الأمر طرافة هو أنه تحدث بصدق عن انطلاق عملية (الرمح الذهبي) التي قادتها بعض العناصر المتطرفة في اليمن، في إشارة الى أن المخلوع هو المتسبب الفعلي تجاه استمرار معاناة اليمنيين! ولنا هنا أن نقف لحظة متشككين حول ما إذا كان ولد الشيخ يملك عقلاً متزناً وراجحاً يمكنه من تعريف ما يقوله؟ فإذا كان الوفد الوطني قد وقع على حل أممي (كما قال) في حين رفض الطرف الآخر التوقيع على ذلك الحل، فلماذا يريد العودة بالمفاوضات الى مؤتمر الكويت الأول؟ وبمعنى آخر: لماذا لا يكون الحل الذي تم التوقيع عليه في مسقط هو نقطة البداية لانعقاد أية جولات تشاورية قادمة؟!
من الجيد أن يحاول ولد الشيخ عرض مواقف الطرفين على مجلس الأمن، فتلك مهمته، ولو لم يفعل لما كان وسيطاً أممياً بينهما، وعلى مجلس الأمن أن يتخذ القرار المناسب، بعد دراسة تلك المواقف وحلحلتها، ولكن ما ليس جيداً ولا مقبولاً هو أن يتبنى الرجل مقترحات شخصية فردية تنسف كل الجهود الدولية الهادفة الى حقن دماء اليمنيين، والدافعة باتجاه تحقيق السلام والأمن والاستقرار، إلا إذا كانت تلك الجهود ذاتها مخادعة وماكرة وما تظهره  للعلن غير ما تخفيه في أجوافها وخلجاتها، ولكن كان على ولد الشيخ أن يكون شجاعاً في إحاطته، وأن يوجه إصبع الاتهام نحو أمريكا كونها صاحبة الفضل في تلك المبادرة، وأن يقول بصدق بأن الأمريكيين الوسطاء لا يريدون سلاماً حقيقياً في اليمن.
لقد حاول ولد الشيخ تقديم الحقيقة بطريقة مخادعة، وغير منصفة، وتجاهل كثيراً مطالب الشعب اليمني القاضية برفع الحصار بأنواعه المختلفة براً وبحراً وجواً، واكتفى بالدعوة الى فتح مطار صنعاء الدولي تجاه العالقين والمسافرين، مقابل تأمين خط الملاحة العالمي تجاه البارجات والأساطيل التجارية والحربية الإسرائيلية، وغير الإسرائيلية، ولأن الحديث يطول حول تناقضات وفضائح تلك الإحاطة، وربما لو أسعفنا الوقت في الأعداد القادمة لتحدثنا حولها أكثر، ولكن يكفي فقط أن نأخذ آخر جملة منها، والتي جاءت على لسان ولد الشيخ عندما قال بأن (محكمة التاريخ لن ترحم).
إنها جملة تختصر كل ما قيل، ويقال، ويراد له أن يقال مستقبلاً، لأنها وضعت (ولد الشيخ) بنفسه في مكانه السليم والصحيح، سواء شعر بذلك أم لم يشعر به.  

أترك تعليقاً

التعليقات