عبدالرحمن هاشم اللاحجي

بثت قناة (الميادين) الفضائية، مساء السبت الماضي، مقابلة تاريخية هامة لرئيس المجلس السياسي الأعلى الأستاذ صالح الصماد، تناولت في مجملها العام طبيعة المعركة المشتعلة في سواحل المخا ومرتفعات كهبوب، حيث الممر الاستراتيجي الهام الذي يشكل أهم المنافذ الملاحية للعالم، وعلى رأسه الكيان الإسرائيلي الغاصب صاحب المصلحة العليا من الحرب والمستفيد الأبرز من أحداثها وكواليسها الآنية المعاصرة. 
الرئيس الصماد، وبعد أقل من أسبوع على زيارته الخاطفة لمدينة الحديدة الساحلية، وتوجيهه للسلطات المختصة بسرعة إيقاف تراخيص الصيد الممنوحة للشركات الأجنبية، في إشارة إلى أن الحرب قد تأخذ منحى آخر إذا لزم الأمر، قال بالنص: (إن إسرائيل رأس حربة في العدوان على بلادنا)، و(إن اليمنيين يخوضون معركة الدفاع المقدس عما تبقى من كرامة وشرف عربيين  ضد الكيان الصهيوني الغاصب)، وهو بتلكما الجملتين التاريخيتين ـ كما يرى مراقبون ـ وجه بوصلة الحرب الحالية باتجاه قلب العدو، ونعني بذلك (إسرائيل) ذاتها، وما زاد من قوة وأهمية تصريحاته النارية قوله بأن المعركة الحالية معهم (مفصلية)، ونهائية، ولا يمكن أن تكون إلا كذلك. 
التجاهل الإسرائيلي لما جاء في مقابلة الأستاذ الصماد كان متوقعاً، لأن الإسرائيليين باتوا يعيشون حالة من التوجس والذعر إزاء المعارك الشرسة التي تدور رحاها بالقرب من أساطيلهم وبوارجهم التجارية والحربية، لدرجة أن كباتنة وقباطنة تلك السفن باتوا يتناولون (المسكنات) عند الوصول الى السواحل اليمنية، ويرفعون سرعة سفنهم الى أقصى درجة ممكنة. وحتى الرئيس نفسه كان يعلم على ما يبدو أن تصريحاته سيتم تجاهلها في الداخل الإسرائيلي، ولذلك استشهد طي حديثه بالعديد من المواقف الإسرائيلية، سيما تلك التي أتت على لسان ساسة وصناع القرار في تل أبيب، وعبرت جميعها عن قلق إسرائيل البالغ إزاء تطورات الأحداث عقب ثورة أيلول 2014 المباركة، لكن ما ليس متوقعاً ولا محسوباً هو أن يتم تجاهل ما جاء في حديث الرئيس، من قبل أوساط إعلامية داخلية وخارجية محسوبة على قوى المقاومة والممانعة، ومخندقة نفسها في خانة العداء لإسرائيل، الأمر الذي يضع أكثر من علامة استفهام حول طبيعة عملها، ولصالح أي الجهات تعمل؟!
بعيداً عن الخوض في طبيعة عمل تلك القنوات، وأهدافها، ومدى القدرة العقلية لدى عامليها في استيعاب طبيعة المتغيرات الجارية، وبالعودة الى موضوعنا السابق كي لا تتشتت الفكرة، ونذهب بالقارئ بعيداً عن صلب الموضوع، يذكر التاريخ أن اليمنيين أغلقوا المضيق المائي في 1973 بوجه الأسطول التجاري الإسرائيلي الذي يمر يومياً من الشرق الأقصى الى ميناء إيلات الإسرائيلي، والعكس، ولكن ونظراً للخسارة العربية الفادحة في تلك الحرب الطائشة، عملت تل أبيب وبوتيرة عالية منذ ذلك الوقت، على بسط نفوذها وهيمنتها على المضيق المائي الهام، واشترت جزراً صومالية وجيبوتية، واستخدمتها قواعد حربية لحماية سفنها التجارية، وزودتها بأنظمة ملاحية عالية في التطور والدقة. كما كشفت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية معلومات قيمة حول شراء إسرائيل سفناً فرنسية متطورة بغرض تأمين الملاحة في باب المندب، وقالت الصحيفة في تقرير هام نشرته عقب ثورة أيلول المجيدة 2014، بأن (المؤسسة الأمنية في إسرائيل أوعزت الى طاقمها بالتعامل مع السواحل اليمنية على أنها سواحل معادية، وألزمتهم بتوخي الحيطة والحذر عند المرور منها). وأضاف التقرير أن المسألة مسألة وقت فقط حتى ينصب الإيرانيون صواريخ بر بحر يهددون بها المصالح الإسرائيلية، في تلك النقطة الاستراتيجية الحساسة، هذا إن لم يكونوا قد نصبوها وأصبحت جاهزة للإطلاق!
التقاربات الحميمة بين الرياض وتل أبيب سالت الى خارج الإناء بعد الزيارة الفاضحة التي قام بها أنور عشقي الى تل أبيب، ونتج عنها تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل علني سافر، وفي سابقة لم تحدث حتى في التاريخ العربي، رغم ترهلات أحداثه الماضية في صالح إسرائيل. كما أن التقارير الاستخباراتية السرية القادمة من تل أبيب، والتي تتحدث بعضها عن صرعى من الجنود الإسرائيليين الى جانب الجيش السعودي المهجن، واختلاط دمائهم وأشلائهم، كثيرة وواضحة، ولا تحتاج لاستعراض في هذه العجالة الجزئية، إنما من الأهمية بمكان اختصارها في مقال إعلامي نشره كاتب إسرائيلي في إحدى الصحف العبرية قبل نحو 6 أشهر، جاء في خاتمته ما نصه: (إذا استمرت حركة الحوثي في اليمن بهذه القوة، فإن مشكلة السعودية مستقبلاً ستكون هي نفسها مشكلة إسرائيل مع حزب الله).
الكاتب الإسرائيلي الأنيق الذي كتب تلك المقالة الرشيقة نسي أن يضيف أن إسرائيل نفسها ستكون في صلب المشكلة القائمة، فاليمنيون أوشكوا بالفعل على دخول مرحلة المواجهة المباشرة مع أساطيل وبوارج بلده، والقوات البحرية اليمنية التي زارها الرئيس قبل فترة وجيزة على مقابلته التاريخية في قناة (الميادين)، كانت أعلنت جهوزيتها الكاملة لردع كل قوى الشر التي تتربص بأمن الملاحة الدولية، وعلى رأسها (إسرائيل)، فهل ستنأى تلك القشرة الشيطانية القذرة ببيادقها الحمقاء عن المعركة المحتدمة الآن، وتسلك طريقاً آمنة غير تلك الطريق الشائكة التي أقحمت ذاتها اللعينة فيها، أم ستصر على تكرار مشهدي تموز 2006 مع حزب الله، و2008 مع أبناء غزة؟!
بعيداً عن لغة التهديد والوعيد، تقول أبجديات المعركة الحالية بأن جبال كهبوب ليست جبال الكرمل اللبنانية، وسواحل المخا ليست سواحل غزة، ذلك لأن المقاتل اليمني الجسور قد أقسم بأن تكون صفعته أقسى الصفعات التاريخية وأشدها فتكاً وتنكيلاً بالإسرائيليين قبل غيرهم، ومن لم يتعلم من تجارب هزائمه مع الآخرين، فسيعلمه اليمنيون بلا شك، والأيام بيننا.

أترك تعليقاً

التعليقات