عامُنا الثالث.. غير
 

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

لم يكد قائد الثورة الشبابية الشعبية اليمنية السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن ينهي خطابه التاريخي الذي ألقاه عصر الجمعة الماضية، بمناسبة أسبوع الشهيد اليمني، حتى تناقل ناشطون وإعلاميون مقطع فيديو تم تسريبه من قبل جنود سعوديين إلى الشبكة العنكبوتية، وفيه تظهر حالة الخوف والهلع الشديد الذي يسيطر على نفسيات الجنود، ويكشف حجم الدمار الهائل الذي ألحقته بصفوفهم الخلفية في مدينة نجران الحدودية طائرة يمنية من دون طيار.
التهديدات النارية التي أطلقها سيد الجزيرة العربية الأول، والتي تضمنت الإعلان عن تفعيل منظومة الدفاع الجوي اليمني، وتطوير صواريخ باليستية تصل إلى ما بعد العاصمة السعودية الرياض، إضافة إلى تصنيع طائرات حربية من دون طيار بأيادٍ يمنية بحتة، هذه التهديدات كانت قد انطلقت لتسابق الريح وتزاحم الضوء، فوصلت أفعالها الحقيقية إلى قلب المعركة العسكرية، قبل أن يصل صدى أثيرها إلى مسامع ملوك وأمراء الخليج، وكأن لسان الحال يقول: (لقد انتهى زمن اللعب، وحانت ساعة الحصاد).
في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء الماضي، أعلنت الدفاعات الجوية اليمنية عن إسقاطها طائرة سعودية نوع (f16)، في سماء مدينة مأرب، كما أعلنت في الوقت نفسه عن امتلاكها أسلحة فتاكة قادرة على إسقاط أحدث الطائرات الحربية الأمريكية وغير الأمريكية، وإضافة إلى ذلك، فالصواريخ الباليستية المتطورة كانت قد أخذت مكانها واعتلت قواعدها متأهبة تنتظر إشارة قائد الثورة، وما أرسلته إلى مطار أبها الدولي عصر الأربعاء ليس إلا بروفة صغيرة تمهد لعمل جبّار في قادم الساعات، قد يقلب المعركة العسكرية القائمة رأساً على عقب.
طوال العامين الماضيين ونحن ببندقية يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الأولى، وولاعة صغيرة لا يتجاوز سعرها الـ50 ريالاً، وبأقدامنا الحافية وأمعائنا الخاوية، لم نستطع فحسب أن نهزم التكنولوجيا الأمريكية المتطورة، وأن نسحق آلات الحرب الفتاكة التي صُنعت خصيصاً لتركيعنا والقضاء علينا، بل انتقلنا إلى مستوى الدول العالمية الكبرى تصنيعاً وتكتيكاً وقوة عسكرية، وتجاوزنا بذلك دولاً إقليمية وآسيوية تعيش إلى جانبنا، وتشارك في العدوان علينا، ولقد حان الوقت الذي تجرّب فيه تلك الكائنات المتخلفة حرباً معنا من نوع آخر.
لا يعيبنا كشعب يمني حُر، ونحن نواجه همجية العالم بأسره، أن نحصل على معارف لتصنيع طائراتنا وتطوير صواريخنا من روسيا أو الصين أو إيران أو حتى من بلاد واق الواق، فالعالم اليوم أصبح مفتوحاً ومتداخلاً، وبإمكان جميع الشعوب أن تحصل على ما تريد، وفي شتى المجالات، إنما المعيب حقيقة هو في تلك الأنظمة التقليدية المتعفنة التي يتربع على عروشها ملوك جهلة وحمقى لا يجيدون سوى تحريك مؤخراتهم في مقاهي وملاهي أوروبا وأمريكا، ولا يفقهون من لغة الحرب إلا عقد الصفقات العسكرية المشبوهة التي كبدتهم مئات المليارات من الدولارات، وجعلتهم يتسولون أمام البنوك الدولية بعد أن كانوا أثرى أثرياء العالم، وليتها أوصلتهم إلى نتيجة (دونية) على الأقل.
لقد أذهلنا العالم بصمودنا في العام الأول للحرب عندما واجهنا شراسة العدوان بإرادة يمنية صلبة، وأدهشناه بقوة حنكتنا وخبرتنا العسكرية في العام الثاني عندما كسرنا شوكة الإبرامز الأمريكية بولاعة صغيرة، وأغرقنا البارجات الضخمة بصواريخ كتف عادية، وأنزلنا الطائرات الاستطلاعية والمقاتلة بأسلحة رشاشة من تلك التي استخدمها الألمان والروس في حروبهم الماضية، وها هو العام الثالث يشارف على الدخول ومفاجآتنا فيه لم تتوقف، بل تطورت بشكل يبعث على الحيرة وعدم الفهم.
إن الحرب التي طالما خوفونا منها، وزعموا أنهم من خلالها سيسحقوننا وسيقضون علينا، تحولت في نهاية المطاف إلى كنز ثمين في أيدينا، فقد استطعنا عبرها القفز إلى ما هو أبعد، وعرفنا الكثير من الأشياء التي كنا نجهلها، وأعادت إلينا اللحمة الوطنية الجامعة، وزادت من صلابة قلوبنا وأفئدتنا، وساعدت عقولنا على الابتكار والإنتاج. إن هذا الأمر بحاجة إلى شكر الله أولاً وأخيراً، لأنه الوحيد الذي منحنا كل ذلك، ولا زالت رحماته تتنزل علينا باستمرار، وبدلاً من الدهشة والذهول فلتتجه ألسنتنا وأفئدتنا جميعاً لشكره، هذا إذا أردنا أن يكون عامنا الثالث مختلفاً بقوة في بداياته.



أترك تعليقاً

التعليقات