عبدالرحمن هاشم اللاحجي

شهدت العاصمة اليمنية صنعاء، صباحية الخميس الماضي، ولادة طبيعية-غير متعسرة - من جانب واحد، تمثلت بإعلان اتفاق سياسي بين مكوني أنصار الله وحلفائهم من جهة والمؤتمر الشعبي وحلفائه من جهة أخرى، وذلك بعد موجة من الجولات التفاوضية العبثية التي خاضها الطرفان مع وفد المملكة العربية السعودية، في أجواء انقلابية - مخادعة، كان آخرها الانقلاب الأممي الذي تزعمه إسماعيل ولد الشيخ، في الجولة الثانية من المشاورات المنعقدة في دولة الكويت الشقيقة.
الاتفاق التاريخي الذي حمّل الأمم المتحدة وولد الشيخ مسؤولية ما آلت إليه المشاورات المنعقدة في الكويت، نتيجة الرضوخ للإملاءات السعودية المتكررة، وآخرها ما جاء في الورقة السعودية المحددة لأجندات الجولة الثانية من المشاورات المنعقدة، قضى بتشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة شؤون الدولة (وفق الدستور الدائم للجمهورية اليمنية)، على أن يتقاسم أعضاءه الـ10 الطرفان مناصفة بينهما، وتنطبق على رئاسة مجلسه صفة الدورية، بما في ذلك نائب الرئيس، كما يكون له سكرتارية / أمانة عامة يحدد مهامها المجلس لاحقاً بقرارات صادرة عنه.
تقول بعض التحليلات بأن الخطوة المفاجئة التي أعلن عنها الجانبان، تأتي في إطار ترميم الشروخ السطحية التي نجمت بينهما بفعل العدوان الذي شهدته اليمن منذ مارس 2015م، وطفت على السطح مؤخراً أثناء الاحتفائية بمناسبة ذهاب العام الأول على انطلاقه، حيث سادت حالة من عدم الثقة بين الطرفين، ولولا التطمينات التي أدلى بها السيد الحوثي لحليفه، بعيد تلك الاحتفائية الساخنة، لكانت الأمور ذهبت إلى أسوأ أحوالها، لكن تلك التحليلات الجزئية تظل قاصرة إذا ما طرقنا النقلة السياسية القوية من زاويتها الإقليمية والدولية، خصوصاً مع اقتراب نهاية المدة التي حددها وزير الخارجية الكويتي لأعضاء الوفدين المشاركين في مؤتمر بلاده. 
الخطوة الذكية التي وصفتها الأطراف المناوئة في صورة مرتبكة ومتخبطة بـ(الانقلابية) و(الأحادية الجانب)، أتت في سياق التأكيد على إنجاح مشاورات الكويت، والدفع بها نحو إنجاز حل شامل ينهي فتيل الحرب، ويحقق مطالب الشعب اليمني في دولة يمنية حديثة تقوم على الشراكة والتعددية السياسية بين جميع أطياف العمل السياسي الوطني. ومع أنه تضمن فعلياً العودة بالبلاد إلى ما قبل العام 2011م، حين أشار مرتين إلى الالتزام بالدستور الدائم للجمهورية اليمنية، بما يعني تعطيل الإعلان الدستوري الأخير لثورة 21 أيلول 2014م، إلا أنه يظل اتفاقاً شكلياً معرضاً للانهيار في أية لحظة قد ينجم عنها اتفاق جوهري بين جميع الأطراف المتصارعة، يقضي بعودة تلك العناصر الارتزاقية إلى جادة صوابها، والبدء بالمشاركة الفاعلة في بناء دولة العدالة والمواطنة المتساوية، وبالشروط التي يرتضيها الشعب اليمني، وتحقق أقصى متطلباته المشروعة، وهو ما أكده الناطق الرسمي باسم الوفد الوطني على قناة (المسيرة)، عندما قال: لا علاقة لما تم تشكيله والإعلان عنه في صنعاء، بما يحدث في الكويت.
للاتفاق السياسي الهام أهداف سياسية - استراتيجية عميقة جداً، تتجاوز الرؤية اللحظية للقراءة التحليلية العابرة، فهو إلى جانب كونه مثّل رداً سياسياً صارماً وحازماً على الورقة السعودية المقدمة لولد الشيخ في الجولة التفاوضية الثانية، حين اتخذها الأخير كمحدد لأجندات المشاورات القائمة في صورة انقلابية-مشينة على مخرجات الجولة الأولى من المشاورات، فإنه أعطى أيضاً ولد الشيخ فرصة ثمينة لإحداث توازن جوهري في موقفه المرتهن للطرف الآخر. ومع أنه، ونعني بذلك المبعوث الأممي، لم يفهم الخطوة الجبّارة بداية عندما تسرع بوصفها بأنها (تتعارض مع عملية السلام الجارية)، إلا أنها لم تواجه برفض دولي حتى اللحظة، وأثارت إعجاب وذهول مختلف الشخصيات السياسية البارزة على مستوى العالم. 
من المبكر جداً الخوض في تبعات تلك النقلة السياسية العظيمة والفاصلة في التاريخ اليمني المعاصر، وما نود الإشارة إليه في هذه الجزئية المستعجلة، هو أن المملكة السعودية التي أرسلت طائراتها المقاتلة (على استحياء) إلى سماء العاصمة صنعاء، عقب ذلك الإنجاز التاريخي الهام، والأطراف المتطرفة الداخلية التابعة لها، والتي انتفضت من أعشاشها بعد أن شعرت بالخطورة من تلك الخطوة، باتت تقبع اليوم في وضعية حرجة للغاية، حيث كان ذلك واضحاً في قنواتها الإعلامية ومواقف بعض ساستها ومغرديها على مواقع التواصل الاجتماعي، حين ظهروا محبطين ومتخوفين من تبعات المستقبل القريب الذي بكل تأكيد يخبئ لهم مفاجآت أكبر من انقلاب، أو ثورة يمنية في مرمى عدوان.

أترك تعليقاً

التعليقات