عبدالرحمن هاشم اللاحجي

في وطننا اليمني الكبير، مثلما هو الحال في البلدان العربية التي بدأت فيها ملامح الاستراتيجية الأمريكية المدمرة بالظهور في وقت مبكر، هناك مشروعان اثنان يتصارعان؛ الأول: مشروع أمريكي صهيوني خبيث يسعى لإعادة الهيمنة الأمريكية على مقدراتنا وخيراتنا عبر ما يسمى دولة الأقاليم أو الدولة الفيدرالية، والثاني: مشروع يمني -يمني يقاوم ذلك التوجه الاستعماري السافر بصلابة مذهلة وإرادة حديدية منذ زمن بعيد، وتلك أمور لا يجهلها أو ينكرها سوى شخص لا يمتد بصره إلا الى طرف أنفه، وربما أقل من ذلك.
كي لا نجانب الصواب في تحليلنا المستفيض، لن نخوض في المشروع الأمريكي الذي هيمن على قرارنا السيادي عبر ما كان يعرف بالأنظمة الرجعية التقليدية، لأن هذا المشروع أسقطته ثورة فبراير 2011، إنما سنلقي نظرة عميقة على المشروع البديل الذي أوجده المشرّع الأمريكي، وحاول تمريره في إحدى جلسات مؤتمر الحوار الوطني، ولتكن الوقائع والأحداث السياسية والعسكرية التي شهدها اليمن منذ تلك الفترة وإلى اليوم، هي الحكم والمعيار الأساس الذي سيمكننا في نهاية المطاف من الإجابة على تساؤلنا الوارد في عنوان مقالنا هذا، بشكل مهذب ومنطقي، بالإضافة الى متغيرات أخرى.
دعونا من فضلكم نعد للوراء 5 سنوات تقريباً، وتحديداً الى إحدى جلسات مؤتمر الحوار الوطني التي كشفت وللمرة الأولى عن ذلك المشروع اللعين، ولنتأمل الواقع السياسي والاجتماعي الداخلي والخارجي الذي كان يعيشه العالم آنذاك، ولنفكر ملياً.. هل كان بوسعنا أن نسأل ذات السؤال ونجد له إجابة منطقية، فضلاً عن أن نتحاشى السخرية والضحك من قبل الآخرين؟!
أتفق معكم تماماً بأن مجرد التفكير في معارضة التوجه الأمريكي الاستعماري يعتبر مغامرة كبيرة غير محمودة المخاطر والعواقب. نحن نتحدث عن أمريكا العظمى صاحبة العصا الغليظة التي باستطاعتها قمع أي تحرك ضدها مهما كان، وفي أي مكان، وفي التوقيت الذي تريد، ودعوني أقل لكم يا سادتي العظماء وبنرجسية عالية: إن الإرادة اليمنية الصلبة كانت أقوى بكثير من أحلام وطموحات ساسة وجنرالات البيت الأبيض، وما كان مستحيلاً بالأمس أمامنا، أصبح اليوم ممكناً جداً، والعكس صحيح بالنسبة للطرف الآخر!
وبشكل أعمق، فإن جميع الطرق والأساليب الماكرة الملتوية التي انتهجتها الإدارة الأمريكية، والتي تنوعت ما بين الابتزاز السياسي والحروب الداخلية المتقطعة والحصار الاقتصادي، وصولاً الى الحرب الكونية الكبرى، فشلت جميعها حين اصطدمت بجدار صلب من الإرادة اليمنية القوية، بينما ظل المحارب اليمني الجسور قابضاً على بندقيته الكلاشنكوف، في انتظار أي تحرك آخر ليقمعه. لقد استطعنا أن نغير قواعد اللعبة الدولية في صالحنا، وأن ننكس أعلام دول إقليمية أخذتها العنجهية والغرور إلى مستنقع ليس له نهاية.
ومثلما تغيرت قواعد اللعبة السياسية الدولية، فإن الداخل الأمريكي كان قد تغير هو الآخر، ليشهد أسوأ حالاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. فبالرغم من الأموال الطائلة التي جنتها الإدارة الأمريكية السابقة من الحرب ضدنا، إلا أنها واجهت انتكاسة داخلية حقيقية تعود معظم أسبابها لانشغال قادة ومفكري البيت الأبيض في الشؤون الخارجية لبلادهم، وبالطبع فقد لا نكون الوحيدين الذين أحدثنا كل ذلك الانهيار، إلا أن نصيبنا منه على الأقل هو نصيب (الأسد).
الى الرياض طار قبل أيام بركان يمني 2، بسرعة البرق الخاطف، ليخطف أضواء القمة المقررة بين حثالات العرب وأسيادهم، قبل انعقادها بساعات طويلة. القمة التي خصصت لبحث قضايا كثيرة كتقسيم البلدان العربية، ومنها بلادنا على وجه التحديد، بالإضافة الى إنهاء القضية الفلسطينية، وأشياء أخرى لا داعي للتطرق لها، كي لا نغرد بعيداً، هذه القمة كانت قد بيّنت أن شياطين واشنطن وتل أبيب لم يتعلموا من الدروس الماضية، ويبدو أنهم بحاجة الى وسائل تعليمية من نوع (آخر). إن هذا بالفعل ما فهمته القوة الصاروخية اليمنية حين كشفت عن أسلحة دفاعية جديدة أدخلتها الى الخدمة مؤخراً، وأخرى قالت بأنها (تنتظر دورها في مشوار الألف عام).
أن تراجع أخطاءك، هذا أمر حسن، إنما السيئ في الأمر هو أن تكابر عليها ثانية وثالثة، وأنت تعلم جيداً أنها تقودك الى الهاوية! لقد أخطأت الولايات المتحدة خطأً جسيماً عندما حاولت إرغامنا على أمر لا نريده، ولقد كانت عاقبة تلك البجاحة أن دفعت الثمن باهظاً من شحمها ولحمها، وستدفع أثماناً أبهظ من ذلك إن هي ركبت دماغها، واستمرت في السير نحو طريق الهاوية.  
لاحظوا أنهم يحدثوننا عن (السلام) بأساليب ملتوية إلى الحد الذي لم نعد نجد لتلك الكلمة البراقة أي معنى في قواميس اللغات المختلفة، ولكن لابأس، فقد يجدون لها تفسيراً واضحاً بعد أن نقرأها عليهم في نهاية المطاف، إنهم يهددوننا باقتحام عروستنا الجميلة (الحديدة) لفصل ما يسمونه (إقليم تهامة) عن إقليم آزال، بغية إجبارنا على الاستسلام والقبول بخياراتهم القذرة، ومع أن هذا الأمر -خيار الأقاليم- ليس له علاقة بموازين القوى الفعلية على الأرض، كونه موقفاً ثابتاً منذ أن كنا لا نزال جماعة مطاردة في قرى وأرياف محافظة صعدة، إلا أنه يكشف وبما لا يدع مجالاً للشك، أن (البعير الأمريكي الكهل) بات يبحث الآن عن (قشة) تطوي صفحته الفاضحة من الوجود، وإلى غير رجعة.
لقد تمكنت الحرب من تقطيع أوصالنا، فبلدنا الجميل والموحد أصبح ممزقاً تكثر فيه الجرائم، وتستباح فيه الأعراض جهاراً نهاراً، وهذا هو بالضبط النموذج الكارثي الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه علينا بالقوة المفرطة في الشمال، بعد أن نجحت في الجنوب. هل كنا بحاجة الى نموذج حقير كهذا حتى نفهم اللعبة الأمريكية على حقيقتها؟! بالتأكيد لم نكن بحاجة الى كل هذا العبث، وما دفع بعضنا هو قلة وعيه وقصر بصيرته، ولكن هذا الأمر لن يستمر طويلاً، وسيعود كل شيء إلى ما كان، إن لم يكن أفضل منه.
بالمقابل أيضاً أكسبتنا هذه الحرب قوة لا تضاهى ولا تقدر بثمن، لقد قفزت بنا بغضون سنوات معدودة الى الصدارة العالمية، فبعد أن كنا مجرد أقزام بنظر البعض، أصبحنا اليوم أسطورة عجيبة ومذهلة بنظرهم، ومن المؤكد أن استمرارها من جهة، واستمرارنا فيها بهذه القوة وهذا الزخم العارم، سيحول ذلك الإعجاب إلى ولاء في المستقبل القريب. وهذا أمر جيد ومنشود، فلتستمر هذه الحرب، ولتبق كرتها ملتهبة إن كانوا لا يريدون إطفاءها.
إننا لا ننتقد هكذا عبثاً دون أن نُسدي النصائح القيمة لمن أرادها، ونصيحتنا الثمينة التي نقدمها في خاتمة مقالنا هذا، على طبق من ذهب، للمعنيين بها: تُحتم عليهم التوقف سريعاً عن  أخطائهم، ومغادرتها نهائياً. إن النتائج العكسية التي أعطتها تلك الأخطاء الفادحة على الداخل والخارج الأمريكي، في الماضي القريب، ستزداد اتساعاً وتفاقماً، وبدلاً من تقسيم بلدنا وتجزئة جغرافيته الى كانتونات - حد الرغبة الجنونية لعتاولة البيت الأبيض- قد ينقلب السحر على الساحر، ونصحو يوماً على تقسيم الولايات المتحدة الى أجزاء مبعثرة، وتعود الحروب الأهلية الى سابق عهدها، وهذا أمر متوقع ووارد، وإن تأخر ظهور مؤشراته، فلغاية يخبئها الرحمن.

أترك تعليقاً

التعليقات