عبدالرحمن هاشم اللاحجي

لم يكن موقف الدنبوع هادي وزبانيته الرافض للخوض في مفاوضات سياسية جديدة تتخذ من المبادرة الأممية أرضية للنقاشات الجادة بين الجانبيين، مستغرباً لدى الكثيرين، لأنه كان متوقعاً منذ الوهلة الأولى لقراءة بند المبادرة الأول. ما هو مستغرب عندي على الأقل هو استمرار التماهي الأممي الفاضح، وخصوصاً (البريطاني) مع هكذا موقف (معوج) لا يستند إلى أسباب ومبررات منطقية للرفض، ولا يقوم على رؤية واقعية للحل تمهد لبناء الدولة اليمنية القوية الضامنة لحماية مصالح دول العالم، وعلى رأسها المصالح الجيوسياسية للامبراطورية البريطانية العظمى.
الدور البريطاني السلبي خلال المراحل الماضية من زمن المفاوضات العقيمة التي جرت بين اليمنيين، ونعني بذلك (جنيف، والكويت)، تحول وبصورة مفاجئة إلى موقف متحمس يهدف لإنجاز اتفاق سريع وحاسم بين اليمنيين، وما كان لافتاً في مؤتمر جدة الأول عندما كشفت كاميرات الإعلام حضوراً لوزير الخارجية البريطاني (بوريس جونسون)، وصفته بعض القنوات والصحف البريطانية في اليوم التالي للمؤتمر بـ(الهام) و(التاريخي)، أسدل عليه الستار في المؤتمر الثاني للرباعية الدولية الذي استضافته العاصمة البريطانية لندن، في وقت سابق، ومنه تم الإعلان عن المسودة النهائية لخارطة الطريق، ليتضح للمتابعين والمهتمين حجم الانخراط البريطاني الفاعل في حلحلة المشكلة اليمنية، وتنكشف لعبة تبادل الأدوار المفضوحة بين المملكة المتحدة البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية، أمام مرأى ومسمع الرأي العام المحلي والدولي.
هذا الدور المهرول سرعان ما أصيب بحالة من الجمود والتراخي، خصوصاً في الآونة الأخيرة، عندما صرح المندوب البريطاني في الأمم المتحدة (ماثيو ريكروفت) أمام حشد كبير من الصحفيين العرب والأجانب، بعد جلسة الأربعاء الماضي، بأن بلاده أخرت مشروع قرار بريطاني يقضي بمحاسبة الرافضين للمبادرة الأممية، دون أن يقدم أسباباً واضحة لتلك الخطوة البريطانية الفاضحة، واكتفى بالقول إن ما يتم التحضير له ينتظر الدعم الأممي الكامل حتى يجد له طريقاً للنور، حد وصفه. 
الخوض في التاريخ اليمني - البريطاني ممل حد التقيؤ، لأنه يتناول قضايا استعمارية متجذرة استمرت لأكثر من 100 عام في الجنوب اليمني، وما أحدثته السلطات الاستعمارية البريطانية هناك من إخلالات عميقة على مستوى الإنسان والأرض والعرض والهوية، عميق، ولا يمكن نسيانه بمجرد موقف بريطاني مخادع سرعان ما انكشف زيفه، وظهر للعلن أمام امتحان سياسي بسيط لم يمضِ عليه سوى أيام معدودة، ولكن يكفي اليمنيين أنهم سيحتفلون بعد قرابة نصف شهر بذكرى رحيل آخر جندي بريطاني عن الجنوب اليمني، لتكون لهم وقفة جادة مع الذات التاريخية التي خلّدها أجدادهم بأسطر من نور الحرية، وحينها فلتذهب طريق النور التي تحدث عنها (ماثيو ريكروفت) إلى الجحيم. 
إرسال البارجات والأساطيل البريطانية الإضافية إلى باب المندب وخليج عدن، على غرار السفن الأمريكية المتواجدة هناك منذ القدم، لا يحل المشكلة اليمنية، بل يفاقمها أكثر، ولا يصنع سلاماً بين اليمنيين، بل يمهد لحرب ضروس ستشتعل في تلك المياه الساخنة، لأن اليد اليمنية التي ضربت قبل أيام البارجة الإمارتية (سويفيت)، لا زالت قابضة على الزناد وبقوة، وبإمكانها أن تصنع معجزات أخرى تعيد الهرولة البريطانية إلى سابق عهدها، وتدفع بعملية السلام نحو التقدم المنشود.

أترك تعليقاً

التعليقات