أبجديات الواقع!
 

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

من المقرر أن تتزين مدينة الفروانية الكويتية، وتفرش سجادها الأحمر، عشية الـ18 من أبريل الجاري، لاستقبال مكون أنصار الله كطرف (أساس) في المؤتمر الدولي الثالث بشأن اليمن. ومن المتوقع أن تعقد الجلسات التفاوضية في أجواء من (الندية)، وذلك بحضور المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، وسفراء الدول الـ10 القادمين من الرياض، بالإضافة إلى ممثلين عن أطرافهم المختلفة كطرف (مُقابل)!
المسودة الأممية الأخيرة كانت تضمنت الخطوات الرئيسية للشروع في مفاوضات جدية ومسؤولة، ومنها وقف النار في جميع الجبهات والمحاور القتالية، ما عدا الحالات الاستثنائية المشروعة للدفاع عن النفس، مع قيام لجنة التهدئة المعينة من قبل الأطراف بالرفع إلى الجهة المسؤولة عن تلك الخروقات لاتخاذ القرار اللازم بشأنها، كما تقول المادة التاسعة من المسودة الأممية الموعودة (بالتعديل) في أغلب جزئياتها وبنودها المُجحفة، كما يقول مختصون.
لجنة التهدئة المكلفة رفعت تقريرها الميداني خلال 48 ساعة فقط من وقف النار، حيث تضمن أكثر من 128 خرقاً قامت بها الأطراف المتطرفة، وتنوعت ما بين زحوفات وعمليات قصف بالطيران المعادي والمدفعية الثقيلة على مواقع للجيش اليمني في خطوط التماس وداخل العاصمة صنعاء، وهو ما جعل الناطق الرسمي باسم جماعة أنصار الله محمد عبدالسلام، يخرج عن صمته، محذراً من مغبة الاستمرار في انتهاك الاتفاق الأخير، حيث قال: إن عدم الالتزام بوقف إطلاق النار يعرقل عملية السلام الجارية، ويقلّص من فرص انعقاد المؤتمر القادم وإمكانية نجاحه.
اللواء فهد بن تركي، قائد القوات الخاصة، قائد وحدات المظليين في المملكة السعودية، والرجل الثاني بعد (محمد بن سلمان)، كان التقى بالجنرال علي محسن الأحمر، في محافظة مأرب، قبيل الإعلان عن وقف النار، حيث تعهد (تركي) لرجل القاعدة الأول في اليمن - كما تقول صحيفة (نيويورك تايمز) - بمواصلة القتال حتى تحرير صنعاء، ودعا إلى رفع الجاهزية القتالية للجنود والصف والضبّاط، ووعدهم بترقيات عسكرية إن استطاعوا فقط (فكّ شفرة الفرضة)، وهو ما جعل قيادات وضبّاط الصف الأمامي يتقافزون نحو الموت سعياً منهم لحل اللغز العويص، ولعلّ آخرهم العقيد زيد الحوري رئيس أركان اللواء 314 مشاة!
السفير الأمريكي المنفي في الرياض (ماثيو تولر) كان التقى، الأربعاء الماضي، بقيادات وممثلين عن تنظيم القاعدة، في العاصمة السعودية الرياض، في أجواء صيفية ساخنة، ومن تلك القيادات المتطرفة القيادي المعروف محمد عيضة شبيبة، حيث تعهد الأخير بدحر (الصرخة) إلى جبل مران، وإعادة المشروع الأمريكي المندثر عقب ثورة سبتمبر 2014م، بفعل المد الرافضي، حد وصفه، وهو ما جعل (تولر) يهز رأسه مسروراً بتلك الوعود القاطعة، ويعد الحاضرين بتقديم كافّة أشكال الدعم وسُبل المعونات في سبيل تحقيق ذلك الحُلم المهووس.
محمد علي الحوثي (رئيس اللجنة الثورية العليا) كان أصدر، في وقت سابق، بياناً تعميمياً على كافة الجبهات والمحاور القتالية، تضمن الدعوة إلى الالتزام بوقف إطلاق النار، وتكفّل رسمياً بزيارة الجبهات، ودعا إلى احترام الاتفاقيات المُبرمة، لكنه ظهر أكثر (يقَظة) عندما طلّ على وسائل الإعلام أثناء زيارته الأخيرة مسترسلاً ومرتدياً لامّة الحرب، وكأنه مستعد لخوض رحى معركة أخرى، فالرجل الأبرز في تاريخ العدوان كان قد دشّن قبل أيام قليلة حفلاً عسكرياً مهيباً حضرته قيادات رفيعة وبارزة في الجيش اليمني، وذلك بمناسبة تخرّج 50 دفعة عسكرية من أفخر ما أنتجته الميادين العسكرية اليمنية من الرجال (تدريباً، وتنظيماً، وخبرة قتالية فريدة).
لا نوايا تبدو واضحة لوقف العدوان، ولا مؤشرات إيجابية يُمكن عبرها الاستنتاج (ولو بنسبة ضئيلة) بنجاح المؤتمر القادم، طالما استمرت الزحوفات لتعويض الفشل السابق (باقتحام صنعاء) و(إعادة المتبردقين إلى كهوفهم)، كما تقول الحملة الإعلامية الأخيرة التي أنفقت عليها المملكة قرابة الملياري دولار، والتي ترى فيها المملكة خزياً وفضيحة مدوية لماكنتها الإعلامية المكشوفة.
 وبين هذا وذاك تبقى قناعاتنا المستمدة من الواقع بعدم إمكانية التوصل إلى أي حلول قد تنقذ المملكة السعودية من ورطتها التاريخية في اليمن، وتعيد لها بعضاً من سُمعتها الهيّابة في العالم العربي والإسلامي، حقيقية وراسخة، حيث لا جديد يفرزه الواقع سواها، مع تمنياتنا بأن نكون مُخطئين في ذلك! 

أترك تعليقاً

التعليقات