عبدالرحمن هاشم اللاحجي

ظلت البشرية بتعدد أعراقها وأنسابها، واختلاف ألسنتها وألوانها، وتنوع ثقافاتها وأعرافها النمطية المتوارثة، عرضة سهلة لنزغات الشياطين، وصيداً ثميناً لأهوائهم ومكائدهم، فعاشت حياة تعيسة شقية، حيث لا سعادة نفسية تغمر أرواحها، ولا استقرار دائم لأجيالها، ولا ديمومة لحضاراتها التقليدية الفارهة التي كانت تصبح في أغلب الأوقات رماداً، وأثراً بعد عين.
وما بين حقبة تاريخية وأخرى، كانت الحكمة الإلهية تقتضي إرسال الرسل كهادين ومنذرين لأولئك البشر الضالين عن الطريق الفطرية السوية، بيد أن النفسيات اليهودية الخبيثة التي كانت حاضرة متغلغلة في أوساط الأمم المختلفة على مدى تاريخها، لم تقف فقط حجر عثرة أمام وصول رسالات الأنبياء وهداهم لعامة الناس البسطاء الذين انقادوا وراءها نتيجة جهل وعدم دراية، بل سلّطت نفسها وسخرت جل إمكانياتها لقتالهم وسحقهم، فظفرت بمن ظفرت منهم، وشردت من شردت، حتى خلّدها القرآن في قائمة النفسيات الشيطانية التي لا يمكن أن تهتدي أو تعود إلى جادة الصواب مهما كان ثقل الآيات وحجم الشواهد التي تبين لها مدى انحرافها وضلالها.
لم تتمكن الثقافات اليهودية اللعينة من طمس ثقافة ومعتقد الطائفة المؤمنة من بني إسرائيل، التي آمنت برسالة نبي الله عيسى عليه السلام، فحسب، بل تغلغلت في أوساط الفكر الإسلامي، وأنتجت بالتزامن مع حرف معتقدات الديانات والمذاهب الأخرى، المذهب التكفيري الفاسد، فأسقته من منابع فكرها المتطرف، ودعمته، ومولته، وسخرت له كل عوامل الانتشار والتغلغل في أوساط الأمم العالمية، لدرجة أنه أصبح اليوم يقوم بمهامها، ويؤدي دورها، فيما توارت هي عن المشهد، وأصبحت تمارس هوايتها اللعينة من خلف الكواليس.
من المفارقات الوجدانية العميقة التي تبعث الحياة الأبدية إلى الأرواح الباقية، وتمدها بالطاقة العجيبة والقوة الخارقة لمواصلة درب الأنبياء والرسل، واقتفاء أثرهم، والسير على هداهم، أن تأتي الذكرى الـ17 بعد الألفين لميلاد نبي الله عيسى بن مريم، بعد أيام فقط من المناسبة العظيمة التي أحياها جميع مسلمي العالم، وكنا نحن اليمنيين في طليعة أولئك المحتفلين بها، والمتمثلة بميلاد النبي محمد بن عبدالله، ذلك النبي الأمي الخاتم الذي ناله من الأذى والمكائد ما نال عيسى وموسى ونوح وجميع الأنبياء من قبله، إن لم يكن أشد منهم وأنكى.
احتفلنا بميلاد النبي محمد رغم كل الأحقاد الدفينة والنوايا الشريرة التي أضمرتها لنا تلك الكائنات الخبيثة في خلجات وكمائن صدورها منذ القدم، وأظهرتها مؤخراً باستهدافها لتلك المناسبات العظيمة، كما حدث عقب الاحتفال بمولد الرسول الأعظم في ميدان السبعين بالعاصمة اليمنية صنعاء، عندما ضربت طائرة تابعة لقوى الشر والعدوان مكان الاحتفال بالمناسبة بصورة استفزازية مشينة، وسنحتفل بميلاد المسيح بن مريم في ذكرى مولده الشريف حتى لو أصبحنا (رماداً).
المسيح بن مريم هو رسول الله وسره الدفين الذي أودعه في رحم والدته العذراء مريم بنت عمران عليها وعلى والدها السلام، ولقد بعثه الخالق الأعلى في ظل واقع سيئ أشبه ما يكون بواقع اليوم، حيث يقبع البشر تحت هيمنة الطواغيت وأشرار بني إسرائيل. ومع أنه كان مؤيداً بالآيات والمعجزات التي تؤكد نبوءته منذ الأيام الأولى لولادته (عليه السلام)، إلا أن الطائفة الكهنوتية التي توارثت خبثها ومكائدها عن أسلافها وأحبارها الماضويين، كذبته وآذته، وهمّت بتقطيعه وصلبه، ولولا الحكمة الإلهية التي اقتضت رفعه الى السماء، لكان الآن في عداد الموتى. 
تعتقد الطائفة المؤمنة من بني إسرائيل التي ناصرت المسيح بن مريم وعزرته ووقرته، بأن اليهود كانوا المخطط الأبرز والفاعل المباشر الذين قاموا بصلب نبيهم الخالد، ولكن تلك المعتقدات والقناعات تغيرت مع مرور الوقت، بسبب الترويض اليهودي الخطير الذي أنتج ثقافة نصرانية تبرئ الجناة من الفعل، وتتقارب معهم في أمور كثيرة، إن لم يكن كلها. كما أن أولئك العربان الهمج الذين بذخوا كثيراً وسخروا مليارات الدولارات من أجل الاحتفال بمناسبة مولد المسيح بن مريم، ومثلها وأكثر لقتل الأطفال المسلمين، يعيشون اليوم حالة تخبط وانقياد وراء المخطط الصهيوني الرامي إلى تجريدهم من نبيهم (محمد)، ليس ليكونوا من أتباع المسيح بن مريم عليه السلام، كما يتوهمون، بل ليكونوا مستقبلاً من أتباع شيطان آخر يمهدون لقدومه، وما هم عليه اليوم ليس أكثر من عملية ترويضية خطيرة!
تعيش البشرية اليوم واقعاً سيئاً جداً، ولن نبالغ إن قلنا بأنه أسوأ واقع عاشته منذ قدوم والدها المؤسس الأول (آدم عليه السلام)، حيث أوصلتها الثقافات اليهودية المدسوسة في خاصرة الثقافات الأممية المختلفة، إلى قمة الانحطاط والتبعية. وبين هذا وذاك يبقى اليمانيون، كما هم كل أحرار العالم، الأنوار المشعة المتمسكة بالقيم النبيلة والمبادئ السامية التي دعا إليها كل أنبياء الله، لا يفرقون بين أحد منهم أبداً، وهم لهم مسلمون ومسلّمون، وعلى أعدائهم وقاتليهم ستدور الدوائر.

أترك تعليقاً

التعليقات