عبدالرحمن هاشم اللاحجي

استغل ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فرصة العملية الانتحارية التي أودت بحياة عدد من المثليين الأمريكيين في ملهى أورلاندو الأمريكي، ليعنون زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، تحت يافطة (تقديم واجب العزاء والمواساة للأمريكيين). بيد أن الشياطين الأمريكيين أفرغوا تلك الزيارة الطائرة من محتواها الأصلي، فبدلاً من إعادة بلده إلى الحضن الأمريكي الدافئ، حد الهدف العام لتلك الزيارة المفضوحة، وترميم علاقتهما المتدهورة، ساد أغلب الجلسات التشاورية التي جمعته بمختلف الجهات الرسمية في الداخل الأمريكي، عناوين عريضة كحقوق المثليين في المملكة السعودية..!
اللقاءات العقيمة التي يجريها ولي ولي العهد السعودي، تأتي في إطار ترميم العلاقات المتبادلة بين البلدين، بعد موجة من الاتهامات الأمريكية المباشرة للمملكة السعودية بالضلوع في أحداث الـ11 من سبتمبر 2001، وتهديد الأخيرة ببيع قيمة أصولها الاستثمارية التي أفصحت عنها الخزانة الأمريكية قبل فترة وجيزة، حيث قالت بأن قيمتها المبدئية تبلغ 116.2 مليار دولار، وذلك إن أقدم مجلس الشيوخ الأمريكي على سن قانون يتهم السعودية بالضلوع في هجمات سبتمبر، وهو ما تجاهلته الولايات المتحدة حين سن المجلس قانونه العام قبل نحو شهر، حيث اتهم السعودية مباشرة في الحادثة، وحملها الجزء الأكبر من المسؤولية القانونية والتاريخية، لتجد مملكة الرمال نفسها بعد تلك الخطوة الأمريكية الجريئة، أمام امتحان هو الأصعب منذ ولادتها، بحكم ما تمر به من مخاطر جمة تكاد تعصف بنظامها الأسري الكهنوتي بين الفينة والأخرى.
 الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز الذي رفض استقبال الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في مطار الرياض، خلال زيارته الأخيرة للمملكة، لم يتردد اليوم وهو يشاهد كل تلك المتغيرات الجيوسياسية تتحرك من حوله كثعابين متعطشة قد أحكمت قبضتها على كرسيّه المتنقل، وتكاد تطيح بما تبقى من أحلامه وأوهامه في لحظة خطأ أو هفوة ساحقة، ما دفعه إلى أن يبعث بنجله البكر الى الولايات المتحدة، ويخلع عنه (العقال) السعودي، ويلبسه البدلة الأنيقة ذات اللون الرصاصي الداكن، ويسرّح شعره المجعّد للأعلى، فتبدو صلعته الملساء التي أنتجتها حروب اليمن الشرسة كما لو أنها صحراء الربع الخالي في قحالتها وعدم نضوج تربتها الكثيبة، حتى وإن كانت تلك الزيارة تستهدف التلطف لواحدة من تلك الثعابين القاتلة إن لم تكن أفتكها..!
عشية تلك الزيارة المفاجئة كتبت صحيفة (الواشنطن تايمز) الأمريكية مقالاً عن الأمير الضيف، واصفة ايّاه بالرجل الذي يقود (ثورة في صحراء)، حيث يتحرّك من وجهة نظر الكاتب (كشخص أحمق في وسط شعب لاوجود له من الأساس، فكيف بإمكانه أن يصنع تحولاً تاريخياً دون وجود موارد بشرية أو مادية، خصوصاً مع انخفاض أسعار النفط الى أدنى مستوياتها القياسية، ورغبة العالم في البحث عن عناصر بديلة للطاقة خلال الأيام المقبلة).
تجنب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الحديث عن القانون الذي أقرّه مجلس الشيوخ، أثناء انعقاد مؤتمرهما الصحفي الذي جمع الجانبين في منزل كيري، ليلة تلك الجلسة الاستثنائية استضافت قناة (العربية) السعودية، رئيس شعبة الاستخبارات الأمريكية، وطلبت منه إيضاحات حول إدراج المملكة السعودية ضمن قائمة المطلوبين للمساءلة القانونية على خلفية أحداث سبتمبر، فأجاب بالقول إن النتائج الأولية تفيد بعدم تورط المملكة (مؤسسات وأشخاصاً بارزين) في الحادثة، وما تم لايعدو كونه عملية لجمع المعلومات المتناثرة هنا وهناك، ومن المبكر جداً الجزم بأمور قطعية الدلالة. 
التناقضات المتتالية في المواقف الأمريكية تنم عن حالة من التسلّط والابتزاز الأمريكي المفضوح للقرار السعودي المصادر منذ وقت طويل، ففي حين يأبى ملوك المملكة وأمراؤها المخدوعون مغادرة سلّة التبعية والارتهان لأسباب خارجة عن إرادتهم وقراراتهم، يزداد حجم الابتزاز الأمريكي بالتزامن مع بدء سريان الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط، حيث تبرز العصا الغليظة في عناوين التهديد والملاحقة القانونية بحجّة دعم الإرهاب والضلوع في أحداث خطيرة كتفجيرات برجي مركز التجارة العالمي، بينما تُقدّم الجزرة الأمريكية اللذيذة في تناقضات تلك المواقف المخادعة.
في مستهل زيارته المتشعبة، كان الأمير السعودي التقى أيضاً بوزيرة التجارة الأمريكية بريتزكر، حيث كان عن يمينه وزير خارجيته الطريف عادل الجبير (صاحب التصريحات الرنانة المهددة ببيع أصول المملكة في الولايات المتحدة إن أقدمت على سن قانون يتهم بلده في أحداث سبتمبر)، يجلس صامتاً كالجدار الأصم، فقد ظهر مطأطئاً رأسه، وهو يستمع لكلمات سيّده الشاب، وهو يعد الوزيرة الشابّة بالمزيد من الاستثمارات المالية مستقبلاً، بغض النظر عن كل شيء، حد وصفه. لكن اللقاء الأسخن الذي جمعه برئيس مجلس النواب بول رايان، كان استثنائياً ومؤلماً حينما انهمرت دموع القائد الشجاع (قائد جناح الصقور) بين يدي الأخير وهو يتحدث بمرارة شاكياً ومتوسلاً له أن ينقذه من صديقه (القاسي جداً) دولاند ترامب (المرشح الجمهوري الصاعد)، فقد وصفه بالرئيس (الأقسى) في تاريخ الولايات المتحدة نتيجة عدم خلو خطاباته الجماهيرية من التوبيخات الشديدة لنظام الحكم السعودي.
الشاب الصغير المغرم بتاريخ أجداده آل سعود، أراد أن يستنسخ حنكة وأسلوب جدّة الراحل عبدالعزيز بن سعود، حينما انفجر باكياً كتلميذ صغير بين أحضان المندوب البريطاني السامي السير بيرسي، أثناء توبيخه إياه على هامش اتفاقية (سايكس بيكو)، فقد انهمرت دموعه بغزارة بعد أن وصفه بيرسي بالصبي والغبي، نتيجة تجاوزه للرؤية البريطانية في تقسيم الوطن العربي آنذاك، فما كان من عاهل نجد إلا أن خرّ باكياً وساجداً تحت أقدام المفوض السامي، ولكن يبدو أن دموع حفيده لم تجد لها متسعاً في قلب رايان، فقد كان شديد القسوة كصاحبه ترامب عندما لم يشارك الطفل المدلل بكاءه، كما فعل المندوب البريطاني مع جدّه الراحل، وآثر الخوض في قضايا جانبية، ثم أنهى اللقاء بدبلوماسية ذكية جداً.
لاوجود للمملكة السعودية ضمن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، ولا بواكي على أطلالها وملوكها، وما لم تبحث المملكة لنفسها عن وسائل بديلة تقيها تلك الموجات المستقبلية الجارفة، وبعيداً عن الولاء اللامحدود للإدارة الأمريكية ولساستها الشياطين، فستجد نفسها مستقبلاً في خبر كان. نقول ذلك قبل أن تقع الفأس في الرأس، مع قناعتنا باستحالة أن تجد تلك النصيحة الثمينة آذاناً صاغية.

أترك تعليقاً

التعليقات