تخوف مشروع
 

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

رحل الرئيس السابق للمجلس السياسي الأعلى الأستاذ صالح الصماد، عن السلطة السياسية العليا، عشية الأربعاء الماضي، وذلك عبر مراسم وتقاليد ديموقراطية مبتكرة ورائعة غلبت عليها الهمة الوطنية الدافعة باتجاه تعزيز التلاحم الوطني وتماسك الصف الداخلي في مواجهة قوى الغزو العالمية التي راهنت منذ الوهلة الأولى لصلفها البربري على إحداث ثغرات أو اختلالات في أوساط الصفوف الوطنية المقاومة لها، من شأنها أن تدفع بالبلد إلى هوة سحيقة لا يمكن الخروج منها على مدى عقود من الزمن.
المؤتمر الشعبي العام الحزب الكهل الذي قطع شوطاً كبيراً في إدارة البلد، أجريت له عملية تجميل كُبرى في الأيام الأخيرة بإشراكه في العملية السياسية مناصفة مع مكون أنصار الله، حيث دفع بالأستاذ قاسم لبوزة لتولي رئاسة المجلس السياسي الأعلى، بعد أن استلم نصف الحقائب الوزارية قبل نحو شهر، وضمن مجلس النواب اليمني الذي يسيطر عليه بأغلبية ساحقة، ويدين بالولاء للرئيس السابق علي عبدالله صالح (رئيس الحزب)، وهذا يعني أن أنصار الله سلّموا رقابهم بالكامل لحليفهم الصاعد مجدداً للسلطة بلهف عارم، بعد استبعاد دام لأكثر من عامين، وحتى تواجد مكون أنصار الله في حكومة الإنقاذ الحالية لم يكن في المستوى المطلوب، خصوصاً بعد أن أشركوا الجنوبيين وجماعات أخرى بما نسبته 50% من الحصة المخصصة لهم. 
السيد عبدالملك الحوثي، في خطاب متلفز بمناسبة المولد النبوي الشريف، دعا جماهير الشعب اليمني للتعاون مع الحكومة القائمة، وقال: (لن نكون مظلة للفاسدين الذين يخونون أماناتهم حتى لو كانوا من أنصار الله)، وهذا يعني أن الجماعة الأكثر جدلاً في الأوساط العربية والدولية لما أحدثته من تغييرات جوهرية على مستوى السياسات العالمية، خرجت من بوتقة الاتهام الظاهري الواضح بعد أن قامت اللجان الثورية بتسليم كافة مؤسسات الدولة اليمنية للحكومة الحالية، وأصبحت تمارس عملية الرقابة الخفية لجميع الأعمال المنوطة بها من خلف الكواليس.
أنصار الله لم يكتفوا فقط بتسليم السلطة لحزب المؤتمر الشعبي العام، بل دفعوا بوفدهم المفاوض لزيارة مختلف العواصم العالمية بهدف حشد المواقف الدولية للاعتراف بالحكومة وإسباغها بالشرعية الدولية إلى جانب الشرعية الشعبية القوية التي حظيت بها من الداخل، فبعد زيارة ناجحة قام بها الوفد إلى جمهورية الصين الشعبية، طار قبل يومين إلى العاصمة الروسية موسكو، والتقى بمستشار الرئيس الروسي نائب وزير الخارجية، وجرى خلال اللقاء بحث السُّبل الكفيلة بإنجاح عملية السلام الجارية وفق خارطة الطريق البريطانية- الأمريكية الموقع عليها في العاصمة العمانية مسقط، قبل أكثر من شهر. ومن غير المستبعد أن يكون اللقاء قد تناول أسس الاعتراف بالحكومة الحالية، فالروس كانوا قد أوقفوا مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب الحوثيين بالتراجع عن تأسيس المجلس السياسي الأعلى، واعترفوا ضمنياً بتلك الخطوة التاريخية الجبّارة، ومن المؤكد أن موقفهم من الحكومة الحالية لا يتعارض مع الموقف السابق بشأن تأسيس المجلس الأعلى، إنما هناك ترتيبات سياسية تنتظر الوقت المناسب لإبرازها.
طوال فترة العدوان، وأثناء عمل اللجان الثورية، تعرض حزب المؤتمر الشعبي العام للعديد من محاولات الاستئصال الداخلية والخارجية، كان أشدها وأفتكها تلك المحاولات الأمريكية التي راهنت على استبعاد شخصية الرئيس صالح من البلاد، إلا أن تماسك الصف الداخلي وتلاحم الجبهة الداخلية أفشل كل تلك المكائد، وحتى القفزات التي كان الأخير يقوم بها على حين غفلة أو دراية بعواقبها الوخيمة عليه أولاً، كانت تعالج بحكمة بالغة من قبل الطرف الآخر، فهل سيحمل الحزب العائد للسلطة بقوة بعضاً من الجميل لحليفه الوفي، ويكون عند حجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عواتق كوادره؟!
أغلب الثورات الحقيقية التي اندلعت في القرن الـ20، ومنها الثورة الإيرانية على سبيل المثال، تعرضت للعديد من المكائد الأمريكية التي أدت إلى تأخير انتصارها، حيث اخترقت الأجهزة الاستخباراتية الأجنبية السلطة السياسية الإيرانية آنذاك أكثر من مرة، وأدت إلى حدوث كوارث واختلالات كبيرة في السلم السلطوي، ونجم عنها مجازر كبيرة بحق الكوادر الإيرانية، ولكن لا نعتقد بأن حزب المؤتمر الشعبي العام ورئيسه، وكوادره، قد يكونون يوماً مطية سهلة للمكائد الأمريكية، خصوصاً وأنهم يدركون جيداً - وربما أكثر منا - حجم الأخطار الجاثمة التي تتربص بالشعب والدولة إن حصلت أية هفوات لا قدر الله. 
من حقنا أن نتخوف، وأن نقلق بالشكل الذي يعزز من وحدة صفنا الداخلي، ويبقيه متيناً قوياً في مواجهة المكائد والأخطار المحدقة به، ويقضي على كل الأطماع الاستعمارية الرامية إلى شقه أو زعزعته تحت أية يافطة، ويحافظ على كينونة وبقاء حزب المؤتمر الشعبي العام كحزب عظيم له ثقله الوطني - التاريخي في هذا المضمار، ويبقي دوره السياسي فاعلاً صافياً من أية شوائب أو هفوات قد تلحق ضرراً تاريخياً بنضاله الأسطوري الفريد.
 (الله، والشعب، وحزب المؤتمر من وراء القصد والسبيل)

أترك تعليقاً

التعليقات