عبدالرحمن هاشم اللاحجي

لن ينسى اليمنيون بمختلف شرائحهم المجتمعية والمناطقية والمذهبية، وتوجهاتهم السياسية والأيديولوجية، ما صنعته بهم أمريكا وأدواتها المبتذلة من قتل وحصار وإبادات جماعية طوال السنوات الماضية من زمن الوصاية والاستبداد والتحكم بالقرار السيادي اليمني، وحتى أولئك الأغبياء الذين يظنون أن أمريكا بمنأى عما يحدث لهم أولاً، سيصحون يوماً على حقيقة مُرّة تؤكد لهم أنهم لم يكونوا سوى بيادق حمقاء بيد الأمريكان، وحينها ستكون لعناتهم وأحقادهم على أسيادهم أشد من غيرهم وأنكى. 
في الظاهر، يبدو الثعلب الأمريكي كما لو أنه حمامة سلام تحاول أن تبعث رسائل محبة ووئام بين الأطراف اليمنية، من خلال الدفع بمكونات المجتمع اليمني الى طاولة حوار واحدة، وإظهار الرغبة الجامحة في إنتاج حل سياسي سريع وعاجل، بينما تحركاتها من الباطن تسدل الستار عن وجهها القبيح الملطخ بدماء الأطفال اليمنيين، وتكشف حقيقتها الماكرة أمام الملأ، لتتضح أخيراً أنها إنما كانت تسعى لإفشال أي حلول توافقية قد تلملم شتات اليمنيين، وتضمد جراحهم. 
بشكل واضح تدفع أمريكا بالأمور نحو المزيد من التوتر والفوضى، ففي الجنوب  كانت الإدارة الأمريكية صرحت في وقت سابق بأن قواتها ستستمر في الأرض الجنوبية لفترة طويلة، أعقبها مباشرة قرار إماراتي قضى بتعليق قرار سابق كان اتخذ بسحب القوات الإماراتية من الجنوب، مع رصد التحركات والترتيبات السياسية، حد وصف ذلك البيان المنقوض، أما في الشمال فتستمر الحشود السعودية في التدفق الى مناطق التماس في جبهتي مأرب والجوف، حيث كللت مؤخراً بزيارة الأمير السعودي فهد بن تركي، الى محافظة مأرب، كما رصدت الهيئة المختصة أكثر من 30 طلعة جوية فجر الأربعاء الماضي، في مؤشر الى أن الحرب ستحتدم قريباً إن لم يوافق الوفد الوطني على الرؤية الأمريكية التي تقدم بها ولد الشيخ، والمتضمنة عودة البلاد شمالاً وجنوباً للحضن الأمريكي الدافئ، وتحديداً الى ما قبل إغلاق السفارة الأمريكية وانتصار ثورة 21 أيلول المجيدة.
يرى مراقبون أن الزيارة الأخيرة لنجل العاهل السعودي الى واشنطن، قبل نحو أسبوع، ولقاءه بمسؤولين أمريكيين رفيعين، أسهمت بشكل مباشر في إعادة اللحمة السعودية – الأمريكية (على الأقل بعض الرؤى لاتؤيد ذلك)، وذلك بعد موجة من التوترات الدبلوماسية بين البلدين، على خلفية أحداث الـ11 من سبتمبر، فقد نجح الأمير الشاب، على ما يبدو، في إقناع الإدارة الأمريكية بمواصلة الدعم اللوجستي والعسكري لقوات التحالف الذي تتزعمه بلاده منذ أكثر من عام، حيث راح ضحيتها أكثر من 70 ألف يمني حسب الإحصائية الدولية الأخيرة.
نشبت معركة صغيرة جداً على تخوم منطقة القبيطة، على خلفية قيام عناصر من القاعدة بتشكيل طوق أمني على القوات الأمريكية المتواجدة في قاعدة العند، بهدف منع وصول الجيش اليمني (تؤمن أمريكا بتعثر مشاورات الكويت سلفاً) الى نقطة تواجد المارينز الأمريكي، حيث بدأت بسلسلة من الاستفزازات تضمنت عمليات قنص وإطلاق نيران عشوائية، لكن وفي غضون ساعات قليلة تم تأديب تلك العناصر المارقة ومطاردتها، والاستيلاء على أهم الجبال الاستراتيجية المطلة على قاعدة العند، ويدعى جبل (جالس)، حينها ظهر المبعوث الدولي من مخدعه معلناً عن قلقه واضطرابه الشديد إزاء العملية التي قال إنها ستؤثر سلباً على سير مشاورات الكويت، وقد تعرقل نجاحها.
المبعوث الدولي الذي راهن كثيراً على ملل الوفد الوطني المفاوض، وأغاظه أكثر عملية تبادل الأسرى الأخيرة حين تمت بين أطراف يمنية داخلية دون علمه ومشاورته، لم يستطع أن يخفي قلقه من تعثر مشاورات الكويت التي دخلت شهرها الثالث تقريباً، دون نتيجة واضحة (باستثناء رؤيته المشؤومة)، وذلك في موقف لايختلف البتّة عن مواقف سيده الأمين العام بان كي مون، ولا يخرج عن مضمون ما تريده أمريكا، وتسعى لتنفيذه في قادم الأيام، والمتضمن عودة شبح الحرب واستمرار قتل الأطفال اليمنيين.
سبق أن تلقى الأمريكيون صفعة قاسية عقب اتفاق السلم والشراكة، عندما حاولوا إيجاد توازن مخل بين الشعب اليمني من جهة والقاعدة وداعش من جهة أخرى، من خلال مساندة الأخيرة ودعمها في البيضاء وشبوة ومأرب، فكانت عاقبة ذلك المكر المخادع أن أغلقت السفارة الأمريكية بعد ثورة 21 أيلول المجيدة، وتشتت المصالح الأمريكية، وخسرت الامبراطورية العظمى علاقتها مع الشعب اليمني، وما محاولتها اليوم العودة عبر البوابة الجنوبية وتكرار سيناريو 2014، إلا محاولة متأخرة ومهزومة.
من الحقائق المشاهدة والملموسة أن القاعدة وداعش، ومثلهما الأنظمة العميلة والانبطاحية للإدارة الأمريكية، تنتهي فور رفع اليد الأمريكية عن أي شعب من الشعوب الثائرة في وجه الامبريالية العالمية، وتعود عند عودة الأمريكيين، فبمجرد إغلاق السفارة الأمريكية أبوابها بداية العام 2015 تقريباً، انتهت فزورة القاعدة من الشمال، وأغلقت السفارات التابعة لها أبوابها، لتنشط جميعها في الجنوب (القاعدة والسفارات الأجنبية)، ولكن بمجرد دخول الجيش اليمني عدن قبيل انطلاق العدوان التحالفي الأهوج، انتهت تلك الفزاعة تماماً في نفس الوقت الذي أغلقت فيه السفارات الأجنبية أبوابها، وغادرت مدينة عدن الى جهات مجهولة (مصادر تفيد بانتقالها الى مدينة جدة السعودية)، ثم تعود جميعها مع عودة أمريكا ودخول القوات الغازية الى الجنوب، بل وتشكّل القاعدة الطوق الأمني لقواتها المتواجدة هناك، وبصورة مكشوفة وفجّة وأكثر قبحاً من ذي قبل.
كثيرة هي المواقف التي عرّت أمريكا، وكشفتها على حقيقتها المخادعة والماكرة، وكثيرة أيضاً هي المعايير التي يمكن استقراؤها لاستنتاج الأحداث القادمة، وبصريح العبارة (إذا كانت عاقبة المكر السابق أن أغلقت السفارة الأمريكية أبوابها في صنعاء وعدن، فعاقبة المكر الحالي كفيلة بطي صفحة الأمريكيين من الجغرافيا اليمنية نهائياً).
نقول ذلك بإيمان وثقة، ولدى الشعب اليمني العظيم من الصلابة والمتانة والقوة ما يكفيه للذهاب الى هكذا تنبؤات.

أترك تعليقاً

التعليقات