عبدالرحمن هاشم اللاحجي

غادر الوفد الوطني، مساء الخميس الماضي، مطار صنعاء الدولي، متوجهاً الى دولة الكويت الشقيقة، في إطار المشاركة في الجولة الثانية من المفاوضات اليمنية التي تشرف عليها الأمم المتحدة عبر مبعوثها العام الى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، وتحظى باهتمام ومتابعة السواد الأعظم من شعوب وأنظمة دول العالم المختلفة، خصوصاً تلك التي ترتبط مصالحها الجيوسياسية بالدولة اليمنية بصورة قوية وعميقة، ويهمها بالدرجة الأولى استتباب أوضاع البلد وديمومة استقراره.
الوفد الوطني وصل مدينة صلالة العمانية في ساعة متأخرة من ليل الخميس، حيث عقد الناطق الرسمي باسم الوفد الوطني الأستاذ محمد عبدالسلام، مؤتمراً صحفياً أكّد من خلاله رغبة الوفد الوطني في استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها نتائج المفاوضات السابقة، وقال: حققنا نجاحات جيدة في المؤتمر السابق، بالرغم من عدم إيقاف العمليات القتالية، ورفع الحصار عن شعبنا اليمني المظلوم، ونسعى للوصول لحل نهائي يتوقف بموجبه نزيف الدم اليمني. وبالرغم من تعنت الطرف الآخر، وعدم قبوله بعقد الجولة الثانية من المفاوضات، ذهبنا للمؤتمر استجابة لتطلعات شعبنا اليمني، ونزولاً عند رغبة المبعوث الأممي.
النجاحات الباهرة التي حققها الوفد الوطني في جلسة المشاورات الأولى، كانت ملموسة وواضحة في التعاطي الأممي الأخير مع الرغبة الصادقة للوفد الوطني بالوصول الى حل شامل للمشكلة الآنية، فالوفد (الذي بات مثيراً للجدل في أوساط الرأي العام العالمي) كان قد غادر صنعاء برفقة المبعوث الأممي ولد الشيخ، بينما كان وزير الشؤون الخارجية في دولة عمان الشقيقة في طليعة مستقبليه، وهناك على ما يبدو حالة ارتياح أممية تجاهه. ويعزو البعض أسباب ذلك الانفتاح النصف خليجي والدولي لما أبداه أعضاء الوفد من واقعية ومرونة كبيرة في مختلف القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات السابقة، بينما تضيق الدائرة على وفد الرياض، ويزداد ضيقها أكثر بالتزامن مع الانهيارات العسكرية الميدانية التي تجتاح صفوفه باستمرار، حيث تقول الصورة الواردة من مصدر الحدث بأنها فاقت التوقعات.
التخبط الواضح في موقف وفد الرياض تفسره تغيرات متراجحات الصراع الميداني على أرض المعركة في صالح الجيش اليمني واللجان الشعبية، خصوصاً في جبهتي كهبوب ونهم (كهبوب بدرجة أكبر). ففي الوقت الذي أعلن فيه وفد الرياض المشاركة في الجلسات التفاوضية القادمة، وقال بأن وفده المفاوض سيكون في الكويت صباح السبت المقبل (أمس)، حد خبر عاجل على قناة (العربية)، عاد وبسرعة طائشة ليتراجع عن موقفه، حين انهارت صفوفه الأمامية على سفوح جبال كهبوب العتية، وهو يحاول مستبسلاً السيطرة على بعض شعابها الملتهبة، بعد أن دفع بقوّة جبّارة من مختلف الجنسيات للظفر بها أو الحصول على بعضها على الأقل، ولكن: دون فائدة!
تسعى مملكة النحس لتحقيق أي إنجاز ميداني قد يعمل على إظهارها بموقف لابأس به أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن (على الأقل لم تعد تفكر بموقف قوي)، وينعكس على أوراق وفدها المفاوض في الكويت، وتنطلق في استفزازاتها العنترية تلك من سلسلة جبال كهبوب. ونظراً لأهمية تلك الجبال الراسخة من الناحية الاستراتيجية،  كونها تسيطر على مضيق باب المندب بشكل كامل، تستميت في سبيل السيطرة والاستحواذ عليها، فقد أدركت متأخرة بعد أن بسط الجيش اليمني سيطرته عليها قبل نحو شهر، أنها أخطأت في استراتيجيتها العسكرية عندما لم تأبه لنتائج مغامرة صبيانها وقوادها وهم يقودون مملكتهم المتهاوية للانتحار على شواطئ باب المندب.
لا أفق يبدو واضحاً أمام المملكة البائسة من الناحيتين السياسية والعسكرية، ولا مسار ماثلاً تجاه ساستها وقوادها، فكيف ستتعاطى مع الضغوط الدولية الرامية لإيجاد حل سريع وشامل ينهي الصراع، وهي قابعة أساساً في عنق الزجاجة؟!
سؤال كبير ننتظر أن تجيب عليه الأحداث مستقبلاً، وإن كنا نعرف إجابته منذ الآن.

أترك تعليقاً

التعليقات