فشل اللعبة
 

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

استمع مجلس الأمن الدولي، مساء الأربعاء الماضي، للإحاطة المخادعة المقدمة من المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ، بشأن سير المشاورات اليمنية، التي يتولى الإشراف عليها وتسيير جلساتها التشاورية منذ تعيينه في منصبه خلفاً لسلفه جمال بن عمر، في 25 نيسان 2015.
الإحاطة التي قدمها ولد الشيخ عبر شاشة تلفزيونية مغلقة، تضمنت دعوة أعضاء مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار أممي يلزم أنصار الله وحلفاءهم والمؤتمر الشعبي العام وحلفاءه، بالتراجع عن قرار تشكيل المجلس السياسي الأعلى الذي وصفه في وقت سابق بأنه (يعكّر عملية السلام الجارية في اليمن، ويعرقل سير المفاوضات)، فيما يشدد الوفد الوطني المشارك على أن النقلة السياسية الأخيرة التي أقدم عليها أنصار الله والمؤتمر (مناصفة)، ليس لها علاقة بما يجري على طاولة الكويت، وما حدث ليس أكثر من عملية طبيعية هدفت لسد الفراغ السياسي الحاصل في البلاد منذ إعلان المخلوع هادي تقديم استقالته إلى مجلس النواب في 22 يناير 2015..فشل ولد الشيخ في استصدار قرار أممي يدين به حلفاء الحرب والسياسة في الداخل اليمني، أمام مجلس الأمن الدولي، مثلما فشل أيضاً في تمرير الوثيقة الأممية - الأمريكية، والورقة السعودية، المقدمتين في وقت سابق، وذلك بعد انسحاب المندوب الروسي الدائم في الأمم المتحدة فيتالي شوركن، من الجلسة الساخنة، ليدلي بعدها بمداخلة قوية للصحفيين، جاء فيها أنه تلقى (أنباء من الكويت تؤكد أن ولد الشيخ طرح على طاولة المفاوضات أموراً عسكرية، فيما ترك الجانب السياسي جانباً)، وأضاف أنه (من المحزن والمؤسف للغاية أن يستمر ولد الشيخ في مراوغته، منحازاً لطرف بعينه، بعد أكثر من 16 شهراً من الحرب العبثية في اليمن).
اللعبة الذكية التي قادها ولد الشيخ مؤخراً كانت مكشوفة منذ إعلان وفد الرياض عزمه ترك المشاورات المنعقدة بإيعاز من سفراء الدول الـ18 الراعية للتسوية السياسية في اليمن، التي قدمت (وعلى عجل)، رؤيتها السياسية المتضمنة: (ثماني مواد أساسية)، فيما تركت تفاصيلها للنقاش، وقالت وعلى لسان السفير الأمريكي (تايلور)، إنها (الخارطة الأمثل لتجاوز المشكلة اليمنية العالقة)، حينها احتضنت الكويت اجتماعات استثنائية - مغلقة بين الجانبين، ونقصد بذلك (الوفد الوطني وسفراء الدول الـ18)، لتسفر في نهاية المطاف عن (فشل ذريع)، لعدم خروجها ـ كما يقول عضو الوفد الوطني الأستاذ حمزة الحوثي ـ عن المحاولات المشابهة في تجزئة الحل وترحيله الى فترات متلاحقة.
لم يحدث أن تعرض الوفد الوطني لاختبارات سياسية قاسية جداً كما يتعرض اليوم في الجولة الثانية من المشاورات المنعقدة في الكويت، حيث تكثر المراوغات الماكرة، وتشتدّ حدّة النزاعات على طاولات الحوارات الأكثر سخونة في تاريخ المؤتمرات، كما تزداد حدتها وعنفوانها أكثر بالتزامن مع الانقلاب الأممي الذي تزعمه إسماعيل ولد الشيخ، في أولى الجلسات المنعقدة من الجولة الثانية، باعتماده على الوثيقة الأممية - الأمريكية المحددة لأجندات المشاورات، والورقة السعودية التي لا تخرج مضموناً عن سابقتها (أتت بعد فشل الأولى)، ليجد نفسه في أدق توقيت (ولم يتبقَّ على نهاية المشاورات سوى أيام إن لم يكن ساعات) في مواجهة أكثر من 18 دولة تتزعمها أمريكا وبريطانيا، وتعتزم استصدار قرار أممي (إن لم يجنح لمشروعها القذر) يحمله مسؤولية إفشال المشاورات عبر ما تضمنته إحاطة ولد الشيخ في مجلس الأمن، لكنها اصطدمت كسابقاتها أمام موقف صلب مصحوباً بتحرك دبلوماسي عالمي (ظهر في الموقف الروسي الأخير)، ليقول لها حد المثل اليمني الشهير: (ليست كُل البرم لسيس)!
قدّم ولد الشيخ إحاطته لمجلس الأمن معتقداً أن الشاشة التلفزيونية المغلقة التي ساعدته في الوصول الى أعضاء المجلس، ستعزل آذان الحاضرين عن الاستماع لما يقوله، وعقولهم عن التفكير بما يُدلي به، ومع أنه نجح في التأثير على أكثرها (أو كانت هي على استعداد للتأثر بما يقول)، إلا أن مخالب الدُّب الروسي وأنيابه الحادة التي بدت كأنها تعي جيداً ما تصنعه ثعالب البيت الأبيض، كانت قد أفشلت على قوّادي المبعوث الأممي خطتهم الماكرة، حينها ومنذ تلك  اللحظة سارع وفد الرياض بإعلان عودته الى الكويت، لاستكمال ـ كما قال ـ (المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة)!
من الطبيعي أن يعود وفد الرياض الى طاولة مشاورات الكويت مجدداً، خصوصاً بعد فشل رهانات المبعوث الأممي وسفراء الدول الـ18 الراعية للتسوية، في إجبار الوفد الوطني على تقديم تنازلات أكثر إجحافاً من سابقاتها، لكنها عودة ضعيفة ذات سقف محدود سرعان ما ستظهر على هيئة تنازلات أمريكية -سعودية تصب في حصالة الوفد الوطني الذي يخرج رابحاً في أكثر من جولة تشاورية محتدمة بفعل ثبات موقفه، ورصانة ما يطرحه من رؤى عقلانية وواقعية، بينما يخرج الطرف الآخر مهزوماً وخاسراً بسبب مراوغات أسياده التي تجبره في أكثر المنعطفات السياسية، على القيام بتحركات خجولة وغير متزنة، كما حدث عند رفضه الذهاب للجولة الثانية من المشاورات، ثم ذهب على استحياء من أمره، ويبدو أن عودته الأخيرة لم تسبب له أي خجل، لأنه اعتاد الإذلال والامتهان، وتلك خصال المرتزقة، ولا غرابة..!

أترك تعليقاً

التعليقات