عبدالرحمن هاشم اللاحجي

انعقد في العاصمة البريطانية لندن، مساء الأحد الماضي، اجتماع استثنائي لوزراء خارجية 4 دول مشاركة هي (أمريكا - بريطانيا - السعودية - الإمارات). وتناول اللقاء جملة من القضايا الهامة في المنطقة، وعلى رأسها القضية اليمنية العالقة. ودعا البيان الختامي للاجتماع إلى وقف فوري لإطلاق النار في اليمن، يبدأ سريانه خلال 72 ساعة من موعد الاجتماع، وبلا شروط، وحث الأطراف المتصارعة في اليمن، على التعاون مع خارطة الطريق الأمريكية التي وضع بعض بنودها العريضة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، قبل نحو شهرين.
الوفد الوطني الذي عاد الى صنعاء صباح السبت قبل الماضي، على متن طائرة عمانية خاصة، بعد احتجاز دام قرابة 5 أشهر في العاصمة العمانية مسقط، وبعد فدية يمنية تضمنت الإفراج عن رهينتين أمريكيتين كانتا محتجزتين في اليمن، قال على لسان رئيسه المفاوض الأستاذ محمد عبد السلام، إن (أية مفاوضات لا يسبقها إيقاف العدوان ورفع الحصار براً وبحراً وجواً، لن تختلف عن سابقاتها، وليست أكثر من مضيعة للوقت).
أثناء الاتفاق الأمريكي – الروسي المفاجئ والناجح بوقف إطلاق النار في سوريا، قبل 5 أشهر، قلنا وبصريح العبارة إن وقف إطلاق النار في اليمن لا يحتاج لاتفاق دولي أو الدعوة الى هدنة من جانب الأطراف المتحاربة ظاهرياً على الرقعة الجغرافية اليمنية التي اشتعلت في الأيام الأخيرة بشكل كبير، خصوصاً في الحدود الشمالية مع المملكة السعودية، بل يحتاج لرغبة أمريكية بإيقاف العدوان، فالحرب في اليمن تختلف عنها في سوريا، وما حدث كان عبارة عن عدوان من طرف واحد. ويبدو أن تلك القناعة الأمريكية قد توفرت بشكل مرحلي - مؤقت بسبب الضغوط الهائلة التي تتعرض لها، سواءً ما يتعلق منها بالتزاماتها تجاه الملف النووي الإيراني، أو ما ألحقته الأحداث المشتعلة التي تصاعدت أعمدة دخانها خلال الشهرين الماضيين بكثافة بمصالحها القومية وأمنها الداخلي بالدرجة الأولى.
بالنظر الى الواقع الميداني السوري، فإن معركة كسر العظم المحتدمة في حلب منذ أشهر باتت ثمارها (يانعة) وسهلة القطف أمام اللاعب السياسي الدولي، ولقد كان لافتاً اهتمام وزير الخارجية الأمريكي بمجريات الأحداث في سوريا، عندما قال عقب اجتماع لندن سالف الذكر، إن (قيم الولايات المتحدة الأمريكية لا تسمح بالسكوت عما يجري في حلب). إضافة الى ذلك، فالساحة اليمنية اشتعلت في الأيام الأخيرة بشكل غير مسبوق، خصوصاً في المياه الإقليمية اليمنية التي شهدت اصطياد سفينة إماراتية بالقرب من السواحل اليمنية، وما يُقال عن أكثر من محاولة لاصطياد بارجات أمريكية من النوع الممتاز، وبدون خوض في بيانات النفي أو التأكيد حول ضلوع البحرية اليمنية في هكذا عمليات نوعية، يمكننا القول بأن المصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة الأمريكية أصبحت في خطر محدق، وما يزيد الطين بلّة هو قيام كوريا الشمالية بإطلاق صاروخ (موسودان) متوسط المدى على السواحل الشمالية للولايات المتحدة، في تجربة وإن كانت (فاشلة) كما وصفتها السلطات الأمريكية حينها، لكنها توحي بأمور كثيرة، ولها دلالاتها القوية المهددة للبارجات الحربية الأمريكية في عقر مياهها الإقليمية..
كل تلك المعطيات جعلت السلحفاة الأمريكية تتحول وفي غمضة عين الى حصان يافع يطارد ريش ذيله الأسود في أزقة الموصل، وصحارى اليمن، وباتت سياسة العصا والجزرة التي استخدمتها السياسة الخارجية الأمريكية في اليمن منذ الإعلان عن المبادرة الأمريكية التي دعا إليها وزير خارجيتها جون كيري، في مؤتمر جدة الأول، تعطي نتائج عكسية، خصوصاً مع ازدياد حالات الوعي السياسي وتناميه لدى مختلف اليمنيين بجميع شرائحهم، الأمر الذي دفعها لإبداء مرونة كبيرة في التعاطي مع الملف اليمني، أقل ما يمكن وصفها بأنها (مؤقتة)، ولا يمكن أن تصمد أمام خشية الأطراف الراديكالية المتطرفة من وقوعها في عنق الزجاجة. 
في الموصل تسير المعركة الكونية التي تحظى برعاية وإشراف أمريكيين ضد تنظيم داعش، الى حيث كُتب لها أن تكون في مذكرات الساسة الأمريكيين، وفي اليمن فإن الترحيب الذي جاء على لسان الخارجية الأمريكية بشأن تقرير الفريق المشترك بتقييم الحوادث في اليمن، والذي اتهم هيئة الأركان العامة بتقديم معلومات مضللة للطيار السعودي الذي ارتكب مجزرة الصالة الكبرى، يوحي بأمور كثيرة، أهمها أن تلك الأطراف التي ارتكز عليها النظام السعودي في عدوانه على اليمن، أصبحت غير ذات أهمية في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، ومن المناسب جداً التخلي عنها أو دفنها على الأرجح. 
المجلس السياسي الأعلى كان موفقاً بدرجة كبيرة عندما تراجع عن موقفه السابق المطالب باستصدار قرار أممي بوقف النار، وأعلن اليوم التالي الترحيب بما جاء في اجتماع لندن، وعلى حذر، لأن رفض الهدنة لا يعني من الأساس سوى استمرار تعشيش الأطراف المتطرفة وتوغلها في العمق اليمني، وقد ترتكب تلك الأطراف حماقات نوعية تضر بالمصالح الملاحية لدول العالم، نظراً لضراوة الحرب المشتعلة في العمقين السوري والعراقي، والتي تستهدف أخواتها من الرضاعة، فيما يكون اليمنيون هم واجهة تلك المخالفات، وما حدث مع البارجات الأمريكية مؤخراً يؤكد ذلك ويدعمه بقوة.
نحن هنا لا نعول على ما تم الإعلان عنه في لندن، إنما لنحذر من مغبة التماهي حيال ذلك، ولدينا من تجارب الهُدن ووقف النار الماضية الكثير لنتعلم، فمن لا يستفيد من تجارب الماضي مجنون وأبله. نحن فقط نحلل نظرياً ما ستؤول إليه الأمور مستقبلاً، فإن كانت كذلك فخيراً، وإن لم تكن فنحن كما نحن، ومن الله التوفيق.

أترك تعليقاً

التعليقات