الموت أو الجحيم
 

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

أن تشتعل جبهة (نهم) بطريقة انتحارية وغير مسبوقة، فتلك نتيجة متوقعة للضوء الأخضر الأمريكي الذي أعطته إدارة الرئيس الجديد (ترامب) لبقايا العناصر الراديكالية المتطرفة التي تقاتل بالنيابة عن امبراطورية قوادية منذ قرابة العامين، لكن أن يأتي اشتعالها بالتزامن مع إثارة ضجة إعلامية هائلة حول قضية الشعار داخل مساجد العاصمة صنعاء، وقبل أيام فقط من تولي أكثر الرؤساء الأمريكيين ظرافة وسخافة في تاريخ أمريكا العظمى، فتلك قضية هامة وخطيرة تستدعي الوقوف عندها والتأمل في أبعادها، لأنها ليست اعتباطية أو طبيعية، بل مفتعلة ومخطط لها، وتحمل رسائل كثيرة أهمها أن (الأمريكيين الجُدد غير جادين بإحلال السلام في اليمن). 
وقع أعضاء الوفد الوطني، قبل أكثر من 3 أشهر، اتفاقية (سلام) مع الجانب الأمريكي والبريطاني، في العاصمة العمانية مسقط، سميت (خارطة الطريق)، والتي بموجبها ينقل الرئيس الفار هادي صلاحياته إلى نائبه، بالإضافة إلى أمور كثيرة لا داعي لطرقها الآن، إنما من الضرورة الإشارة إلى أن كل تلك المدة قد انقضت دون أن تحرك الإدارة الأمريكية ساكناً حول ما تم التوافق عليه، بل لم تعره أي اهتمام يذكر، واكتفت بالإشارة، في أكثر من سياق دبلوماسي (صحفي)، إلى أنه يجري (إقناع) أطرافها المتطرفة بالالتزام بتلك المبادرة التي يصفها أغلب المراقبين والمتابعين بأنها (مثيرة للتقيؤ والاشمئزاز).
طوال فترة العدوان بقيت أغلب منابر ومساجد العاصمة، ومثلها منابر جميع المحافظات اليمنية التي يقاوم أبناؤها الشرفاء هذا الصلف الأمريكي السافر، صادعة بالصراخ ضد الغازي الأمريكي اللعين وأعوانه، ولم يعترض على تلك الكلمات (الوطنية) النابعة من عمق القضية الآنية المعاصرة أحد، ولم يحاربها أحد، بل بالعكس تماماً سخّر الجميع جماجمهم وأرواحهم لها، وتفاعلوا معها، واعتنقوها كقضية مصيرية، فلماذا حركت الأطراف المتطرفة خلاياها النائمة في هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا كل هذه البلبلة حول الشعار؟ ولماذا؟ ولماذا؟
من حق المواطن اليمني البائس أن يطالب بصرف راتبه، فتلك قضية مختلفة لا علاقة لها بالصرخة، بل من المفترض أن تكون المطالبة تحت ذات الراية التي توضح بجلاء من يقف عائقاً تجاه توفير السيولة النقدية، ومن هو الذي أوقف طباعة المليارات من الريالات في سويسرا، ومن هو الذي يفرض الحصار البري والبحري والجوي، ومن هو الذي يمنع التوصل إلى اتفاقية سلام بين مختلف اليمنيين طوال فترة المفاوضات السابقة وحتى كتابة مقالنا هذا.
الأمريكيون أنذال، وليسوا أوفياء أبداً، والشعار ينزل عليهم كالحمم الملتهبة من السماء، لأنه لم يفضحهم ويعرِّ سوءتهم، ويكشف خبثهم للرأي العام الدولي والمحلي طوال فترة عدوانهم الوحشي فحسب، بل أسهم بشكل أساسي في حشد المقاتلين الأشداء إلى جبهات القتال، وهنا كانت الخطورة الحقيقية التي واجهتها إدارة الرئيس السابق أوباما، واصطدمت بها، ولكن يبدو أن الخلفاء الجدد قد عرفوا أين مربط الفرس، ولذلك نراهم عجولين في تنفيذ استراتيجيتهم الجديدة.
السياسة الأمريكية اللعينة لزمرة وشياطين البيت الأبيض حاولت أكثر من 15 عاماً النيل من إرادة اليمنيين الصلبة عبر أدواتها المختلفة التي تنوعت ما بين الدهاء والقوة والردع والتمكين السياسي و.. الخ، وفشلت بامتياز بشهادة كل من تابع وتأمل في الأحداث الماضية من ساسة ومفكرين وقادة وغيرهم، وعبثاً تحاول اليوم شق الصف الوطني المقاوم لهمجيتها المشينة عبر إثارة قضايا إعلامية صغيرة تتخذ من الراية الحربية التي أسقاها المقاتل اليمني الجسور من دمائه الزكية والطاهرة، أداة للتشرذم والتفكك.
الأمريكيون لم يصرخوا بالموت لليمنيين، بل قتلوهم بالفعل، ومن يحاول اليوم تبرئتهم من القتل فليأتنا بالأدلة التي تبين عدم ضلوعهم في الجريمة، أما نحن فلم يعد لدينا ما نقوله أو نوضحه للناس، ونحن الذين قاتلنا بصمت طوال الحروب الـ6 الماضية، لأن الأمريكيين كانوا متسترين عن المشهد العام للحروب، أما اليوم فإن الأحداث الأخيرة أوضحتهم بجلاء، ومن يريد أن يفهم فليراجع التصريحات الأمريكية التي أتت دافعة وداعمة للحرب في اليمن، سواء ما قدمته من معلومات لوجستية كانت سبباً في ارتكاب المجازر البشعة بحق الأطفال اليمنيين، أو ما باعته للمملكة السعودية من أسلحة فتاكة وصلت قيمتها في آخر معلومة غير دقيقة إلى أكثر من 200 مليار دولار، أما من لم يرد أن يفهم، فذلك شأنه، ولكن لا نريده أن يقف في الموقف الخطأ مهما كان.
الأمريكيون قتلة ومجرمون ومخادعون، ولا أحد يثق بهم، لأنهم كالحرباء المتلونة، وقد هزمهم الشعب اليمني العظيم في أكثر من حدث عسكري وسياسي ماضٍ، لدرجة أنهم غادروا اليمن عقب ثورة 21 أيلول المجيدة، وأقفلوا سفارتهم، لأن اليمنيين دفنوا كل مشاريعهم القذرة التي هدفت إلى تفكيكهم وبعثرتهم، وسيظلون يقاتلونهم هكذا إلى يوم القيامة.

أترك تعليقاً

التعليقات