عبدالرحمن هاشم اللاحجي

على الرغم من الدعوة الصريحة التي وجهها المبعوث الدولي الى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، في إحاطته التي قدمها الى مجلس الأمن الدولي، عشية الخميس الماضي، والمتمثلة بفتح مطار صنعاء الدولي أمام حركة الطائرات ورفع الحصار تدريجياً عن كاهل الشعب اليمني المظلوم، إلا أن قوى الشر العالمية قررت السير في طريق معاكس ومناقض لما ورد طي تلك الإحاطة المخادعة، حيث صعدت من هجماتها المنكسرة على الشريط الساحلي المتاخم لمضيق باب المندب الاستراتيجي، وهددت بقصف ميناء الحديدة الشريان الصغير والوحيد الذي ما يزال يربط اليمنيين بما تبقى من إنسانية مترهلة في قلب هذا العالم المتوحش!
منذ بداية العدوان كان هناك ـ على ما يبدو ـ عرف دولي يقضي بتحييد مضيق باب المندب عن المعركة الكونية المشتعلة، مقابل السماح للسفن التجارية المحملة بالوقود والمواد الضرورية الأساسية كالقمح والدواء و.. الخ، بالوصول الى ميناء الحديدة والرسو فيه، وذلك بعد قيام دول التحالف بتفتيشها وفحصها، ولكن هذا العرف سرعان ما تدهور في الآونة الأخيرة، خصوصاً مع تعنت الأطراف الدولية ذات العلاقة بالصراع كإسرائيل وأمريكا وبقية الدول المتحالفة معهما، في القيام بتنفيذ الاستحقاقات السياسية التي نصت عليها اتفاقية مسقط بين اليمنيين، حيث كانت راعية لها ومشرفة على أغلب كواليسها ومضامينها، سيما الولايات المتحدة الأمريكية التي تأتي في رأس قائمة الرباعية الدولية التي أشرفت على الإعداد والتجهيز والتوقيع لتلك الاتفاقية المجحفة وغير المنصفة.
الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتفِ فقط بإطلاق العنان لأطرافها التي تعهدت بإلزامها بمغادرة المشهد السياسي اليمني فقط، بل أسهمت بشكل مباشر في الإعداد والتحضير لمعركة (الرمح الذهبي) التي أعلنتها تلك الأطراف، حيث شارك الأسطول الأمريكي الخامس، بالتعاون مع البارجات الحربية الإسرائيلية والسعودية، بالقصف على مناطق مأهولة بالسكان في مدينة المخا الساحلية، كما تقول التقارير الاستخبارية. ومع فشل كل تلك المحاولات البائسة واليائسة في السيطرة على مدينة المخا، ارتفع سقف المطالب اليمنية المشروعة، حيث أبلغت القيادة السياسية اليمنية المبعوث الأممي ولد الشيخ، أثناء لقائها به في العاصمة صنعاء، بأن بقاء المضيق المائي بعيداً عن الصراع مقترن بفتح مطار صنعاء الدولي أمام حركة العالقين، وهو ما تفهمه ولد الشيخ وأشار إليه صراحة في إحاطته، ولكن تلك الكائنات الغريبة ألقت بما قاله المبعوث الأممي عرض الحائط، وقررت السير في تدمير هذا العالم، شعرت أم لم تشعر، ومن باب المندب تحديداً.
من المؤكد أن السياسة الطفيلية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، في التعامل مع العالم الخارجي، خصوصاً مع أعدائه الأساسيين أو أولئك الذين شملهم قرار منع اللجوء كالنظام السوداني، من المؤكد أن تأثيراتها السلبية لن تنعكس على الأمريكيين فحسب، بل ستطال شعوباً وأنظمة في البلدان العربية والأوروبية، فهل تلك الشعوب والأنظمة على استعداد كامل لدفع الثمن تجاه عنتريات ذلك الرجل الظريف ومغامراته الصبيانية؟! وهل يعلمون أن ذلك الثمن سيكون باهظاً، وقد يؤدي الى اندلاع ثورات شعبية عارمة في أوروبا وآسيا وأفريقيا على أنظمة الحكم القائمة، لما سينجم عنها من ارتفاع في الأسعار وشل لمقومات الحياة نتيجة لتوقف حركة الملاحة البحرية إذا ما قرر اليمنيون الرد على تلك الممارسات المشينة والسافرة؟!
صمد اليمنيون قرابة العامين تجاه الحصار الجائر الذي فرضته دول الطوق الغازي، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، وهم يقتلون يومياً بالعشرات رغبة في الوصول الى حل سياسي يحقن دماءهم من جهة، ويحفظ لشعوب وأنظمة العالم حق العيش الكريم بعيداً عن تعكير الأجواء في المضيق المائي الهام من جهة أخرى، ولكن الأمريكيين والإسرائيليين ومن تحالف معهم نقضوا كل الاتفاقات السياسية رغم التوصل إليها والتوافق حولها بعد جهود شاقة ومضنية، وأصرّوا على أن يمارسوا أدوار الثعالب الغبية التي تأبى إلا أن تهرب وهي قابضة على فريستها بأطراف نواجذها، غير مدركة أن تلك الفريسة ستحد من سرعة هروبها، وهو الأمر الذي سيمكن الصياد من اللحاق بها واصطيادها بسهولة. 
اصطادت القوات البحرية اليمنية بارجة سعودية خامسة قبل أيام، كما أحكم الجيش اليمني واللجان الشعبية سيطرتهم الكاملة على جبال الروى الاستراتيجية، الى جانب سلسلة جبال كهبوب، ونحن هنا لا نخوف الناس من اندلاع حرب عالمية ضروس في باب المندب، ولكننا لا نقلل من خطورتها إن نشبت، فالبارجات والأساطيل الأمريكية والإسرائيلية لازالت تؤذينا بشكل كبير، وحتى كتابة هذه الأسطر لا تزال الصواريخ القادمة من الجزر اليمنية وغير اليمنية، تنهمر على أبنائنا بغزارة، فهل ستبقى إنسانيتنا تجاه الآخرين تمنعنا من الدفاع على أنفسنا بالحد الأدنى؟ بالتأكيد لا. كما لا نظن أن إجابة من نعنيهم بهكذا سؤال ستكون بالتأييد، إطلاقاً!
نعتقد بأن الوقت قد حان لترتفع أصوات تلك الشعوب المحترمة بـ(لا للحرب على اليمن)، وبشكل منظم وعقلاني، وأن تقول الحقيقة التي تعرفها كما هي دون مواربة أو نقص، وأن تحمل تبعات الحرب وما سينجم عنها من كوارث على حكوماتها وأنظمتها الساكتة أو المؤيدة والمشاركة في العدوان علينا، لتضغط هي بدورها على تجار الحروب العالميين، ونعني بذلك الأمريكيين والإسرائيليين وكل من تعاون أو تهاون معهم في عدوانهم علينا، ليتوقفوا عن غوغائيتهم وهمجيتهم فوراً وبدون أي تلكؤ.
نحب أولئك البشر على امتداد عالمنا الواسع الذين يشاطروننا مآسينا ويقاسموننا أوجاعنا وهمومنا، ويحملون عن كاهلنا بعضاً من مصائبنا ونكباتنا ومظالمنا، نحبهم بتضامنهم، نجلهم بتعاطفهم، نحترم كل مواقفهم الإنسانية التي ساندتنا ووقفت الى جانبنا، وهي مسجلة وموثقة ولا يمكن أن ننساها أبداً. ولأننا نحبهم نلقي على عاتقهم مسؤولية إيضاح الحقيقة لمن تبقى من عامة ومغفلين في أوساطهم، وبشتى الطرق والوسائل الإعلامية المناسبة.
هذا أقصى ما يمكن أن نرجوه من كل أحرار العالم في هذا التوقيت بالذات، حيث التخبط والهذيان الأعمى، من قبل بعض الأنظمة العالمية المغرمة واللاهثة وراء المشروع الأمريكي  التدميري الهادف الى تدمير شعوبها أولاً.
أيها الأحرار في هذا العالم، ارفعوا رؤوسكم قبل أن ترتفع ألسنتكم بالنصح لأنظمتكم المنقادة، وتأكدوا أن نصائحكم لن تذهب سدى، وسيأتي اليوم الذي تعرفون فيه أن مواقفكم لم تكن إلا في مكانها الصحيح، فالمستقبل لن يرسمه سوى اليمنيين، ولا أحد سواهم.

أترك تعليقاً

التعليقات