الأرض المكنوزة
 

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

(الهواء نقي)
(السماء ملبدة بالغيوم)
(الشمس محجوبة تماماً عن الرؤية)
(الأرض رطبة خضراء جرّاء زخات المطر التي انهمرت عليها البارحة)
(الإنسان صلب على غرار العادة)
(الساعة: الثالثة عصراً بتوقيت ذمار المكرمة).
المكان: أحد الكهوف الصغيرة في جبال الشرق.
أصل الحكاية: مع استمرار موجة الحصار البربري الخانق على عامة الشعب اليمني الصامد بمختلف فئاته، وعدم وجود الرغبة الأمريكية - البريطانية المفضوحة في تنفيذ ما تم التوافق عليه في خارطة الطريق الموقع عليها بالعاصمة العمانية مسقط، قبل نحو شهر، قررت القيام برحلة قصيرة الى (مسقط رأسي) تلك البلاد الطيبة الآسرة التي أنجبت أكثر من 50 شهيداً خلال أقل من عامين، علّي أجد جواً لطيفاً يبعدني قدر الإمكان عن التفكير بمآلات السياسة ومشاهدها الدراماتيكية المعقدة، فوجدت لطافة الجو، لكنني لم أتمكن من مغادرة السياسة، بل غصت في أوحالها بشكل عجيب ومبتكر وأعمق من ذي قبل.
الناس هنا صامدون، وثابتون، وساسة، ومقاتلون، وصناع قرار على غير العادة، رغم محدودية تعليمهم، وقلة إمكانياتهم وخبراتهم، لكنهم يدهشونك بثباتهم وتفاؤلهم اللامحدود، وثقتهم المطلقة بالانتصار الحتمي على أعدائهم. استقبلني من تبقوا أحياء ولم تطلهم آلة العدوان، أكرموني بسخاء مما جادت به أرضهم الطيبة، أشار عليّ أحدهم بمرافقته الى أحد الكهوف التي يرتادها أوقات فراغه وعند استراحته وعودته من جبهات القتال، فوافقت على الفور.
اصطحب الرجل عُدّته وعتاده، واقتادني مشياً على الأقدام في اليوم التالي عبر طريق وعرة إلى حيث الكهف المستهدف.
يبدو كهفاً دائرياً صغيراً لا يصلح حتى لسكن الحيوانات، فضلاً عن البشر بسبب انسداده من الداخل وعدم اتساع بوابته لدرجة أن رأسي اصطدم بالجبل أثناء الدخول. 
قال لي قريبي بذكاء: سأريك الآن شيئاً ثميناً قد يذهلك، ويجعلك تغادر عقلك.
وضعنا بنادقنا جانباً، ونزع الرجل (مطرقته ومسماراً من الصلب) من كيسه، وبدأ بطرق الصخر الأسود الصلب بقوة، وما هي إلا ربع ساعة حتى تساقطت أحجار حمراء جميلة كانت ملتصقة بالحجر الأسود.
قال لي: هل تعرف ما هذا؟ قلت: ربما عقيق.
قال لي: نعم، ثم اتجه جانباً وبدأ بمزاولة عمله بشغف وقطرات العرق تتساقط بغزارة من على جبينه. استمر في النقر فترة طويلة تتجاوز الساعة، وأثناء النقر بدأت الصخرة تتلون بالأبيض، طرقها بهدوء من جوانبها المتشعبة حتى أصبحت سهلة الانتشال. 
تبدو حجرة بيضاء صافية ذات 6 رؤوس، بداخلها ألوان صفراء متلألئة كالذهب الخالص، قال لي وهو مجهد من أثر العمل: لا أعرف نوعها، لكن بحوزتي كمية كبيرة منها. 
عرضتها في الهواء الطلق: تبدو كما لو أنها (حجر كريستال)، خبأتها بسرعة في كيس العُدّة، وعدنا من حيث أتينا والسرور يغمرنا. 
خاتمة: إذا كانت الحروب والمعارك فرصة لتطوير القدرات العسكرية، ومحطة ساخنة لاستعراض الابتكارات التصنيعية في هذا الجانب، فإن الحصار الذي يفرضه الأعداء هو أهم فرصة للالتفات للموارد المادية والبشرية المتاحة، واستخراجها، وتوجيهها التوجيه الأمثل، ولدينا من تجارب الأمم المعاصرة الكثير لو أنا انتهزنا الفرصة بجد وصدق ومثابرة.
لم يكن أبناء تهامة ليموتوا جوعاً لو أن الجهات المسؤولة في الدولة وضعت في كل 10 أمتار بذرة حب واحدة، ورعتها، واهتمت بها، وحصدتها بأيدي أبنائها، ولم يكن اليمنيون بحاجة الى مساعدات وهبات الخارج لو أن حكومتهم قامت بدورها بالشكل الأمثل عبر خطط استراتيجية لاستخراج الثروات المدفونة، وإدارتها، وتوجيهها بما يخدم الإنسان اليمني، ويحافظ على مستقبل الأجيال اللاحقة. 
إن الله الذي أنزل الأمطار في فصل الشتاء للمرة الأولى منذ عقود، يدرك جيداً حجم الخطر الذي يتربص باليمنيين، ويرسل رسائل سماوية الى عباده المظلومين المحاصرين في الأرض، مفادها: (عليكم أن تزرعوا فقط، وأنا سأتكفل بقوتكم وقوّتكم. 
هل تعتقدون بأن كل أولئك الأعداء سيتجمعون لكم من كل أقطار الأرض، ثم لا أضع لكم مصادر القوة الكافية لتكونوا أنتم بمستوى مواجهتهم وتحديهم؟!
كل شيء معكم وفي متناول أيديكم، وما عليكم سوى أن تتحركوا فقط، وأنا معكم ولكم مؤيداً وناصراً وظافراً. 
إنكم إن أدركتم ذلك بعمق كنتم أنتم المنتصرين في نهاية المطاف، حتى لو حاربوكم أو حاصروكم لآلاف السنين والأعوام). 
رسالة موجهة لحكومة الإنقاذ والجهات الوطنية المسؤولة.

أترك تعليقاً

التعليقات