عبدالرحمن هاشم اللاحجي

في الوقت الذي يبذل فيه المبعوث الأممي الى سوريا دي ميستورا، جهوداً مكثفة لإعادة المشاورات بين أطراف النزاع السوري، ويجري اتصالاته المتسارعة والدؤوبة بين الأقطاب الدولية المؤثرة في المعادلة السورية، تتصاعد أعمدة الدخان من ريف حلب الشمالي وأجزاء عدة من أحيائها المكتظة بالسكان، في مؤشر ميداني واضح الى أن وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه في موسكو مؤخراً، قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، إن لم يكن قد انهار بالفعل.
الولايات المتحدة الأمريكية لم تستطع أن تكتم حالة القلق والخوف الذي بات ينتابها نتيجة تدهور الأوضاع في سوريا، فوزير الخارجية الأمريكي جون كيري, صرح، قبل أيام، بأن الأمور في سوريا تتجه نحو الأسوأ، وقال إن الولايات المتحدة نفسها لم تعد قادرة على الإمساك بجميع خيوط اللعبة داخل الأراضي السورية، وإن هناك أطرافاً ـ لم يسمها ـ تعمل على تقويض وقف النار، وتدفع بالأمور نحو المزيد من الانهيار المبكر، وتضع سوريا في مستنقع مؤسف وغير إرادي، إلا أنه سرعان ما تجاوز تلك الهفوة العميقة بذكاء، حين وجه اتهاماته الى إيران، ووصفها بالدولة المعرقلة لإحلال السلام في سوريا!
التصريحات التي أدلى بها كيري ليست جديدة، فقد سبقتها نبوءات مرعبة لرئيس شعبة الاستخبارات الأمريكي، مايكل هايدن, عندما قال بأن (سوريا غير موجودة، ولبنان يعج بالفوضى، واليمن تقسمت، وليبيا انتهت، والعراق في خبر كان)، وهي تصريحات مخيفة ونبوءات غير اعتباطية، كونها أتت من شخص غير ارتجالي، ومعروف بقربه من صناع القرار الأمريكي، ويعرف تماماً ما يدور في الغرف المغلقة، وما يحاك من خلف الكواليس، وكونه فقد منصبه فإن ذلك يمنح نبوءاته مزيداً من الاستقلالية والمنطق الأقرب للحقيقة والواقع، فالمسؤولون الأمريكيون، وبعد أن يغادروا المنصب العام، يصبحون، أو معظمهم، أكثر حرية في الحكم على الأمور، وتسريب بعض الحقائق والمعلومات، بوعي أو بدونه.
في الواقع، هناك مؤشرات عديدة يمكن عبرها التنبؤ بالأحداث المستقبلية التي لاتخرج البتة عن (قلّة المعرفة) التي ظهر بها كيري في تصريحاته الأخيرة، أو عن قنبلة هايدن، التي فجّرها على قناة CNN الأمريكية، قبل أكثر من شهر. فالمعروف عن العلاقات الأمريكية السعودية أنها تصدعت في الآونة الأخيرة، وأن لوحاً سميكاً من التحالفات النفطية وغير النفطية انكسر، وحتى زيارة الرئيس الأمريكي أوباما للمملكة السعودية، مؤخراً، لم تنجح في ردم الفجوة السحيقة التي أحدثتها السياسة الخارجية الخفية لأمريكا، والقاضية بتمرير مشروع قرار للكونجرس الأمريكي الذي يتهم السعودية مباشرة بالتخطيط لعمليات الـ11 من سبتمبر، أي قبل 15 عاماً.. هناك ابتزازات كثيرة تمارسها السلطات الأمريكية لدول كثيرة، من أجل تطبيق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي وضعها خبراء أمريكا وإسرائيل السريون، ومنها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ التفجيرات التي حدثت في أوروبا، واستهدفت مصالح ومنشآت لدول أوروبية متقدمة، وحملت في طابعها العام ورؤيتها الكلاسيكية العامة توجهات أمريكية لحشد الموقف الأوروبي والآسيوي لمحاربة داعش والقاعدة، التي باتت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تراها في أنظمة عربية هشة كالدول الخليجية النفطية، بالإضافة الى دول عربية أخرى أخذت نصيبها التفتيتي منذ انطلاق ما كان يعرف بالربيع العربي بداية العام 2011م. 
في اليمن، أعلنت القاعدة، وبشكل مفاجئ، انسحابها من المكلا وأبين وأجزاء واسعة من المناطق الجنوبية، بعد ليلة من القصف الذي طال منازل المواطنين في مدينة المكلا الساحلية، أعقبه قبل يومين فقط توافد لألوية عسكرية أمريكية الى قاعدة العند الجوية، وعشرات الأساطيل (الإضافية) في طريقها للمياه الإقليمية اليمنية، وهو الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول النوايا الأمريكية القادمة، فإن كانت القاعدة بذلك الوهن وبتلك الإمكانات والمعنويات الضعيفة، فهل تحتاج لأساطيل وحاملات طائرات حديثة وألوية من طراز مارنز 1، لمحاربتها والقضاء عليها؟!
يرى محللون سياسيون أن القاعدة لاتحتاج لكل تلك الجهود، بدليل انهيارها عقب وصول الجيش اليمني مدينة عدن، قبل نحو عام، أي قبل انطلاق العدوان على اليمن، الذي أعاد الروح لتلك الكائنات الهزيلة، إنما هناك دوافع أمريكية لبدء تنفيذ مشروع أمريكي يرتكز على فزاعة محاربة القاعدة وداعش في شبه جزيرة العرب، حيث لايعلم عنها أوباما وكيري، وربما ترامب (المرشح الجمهوري الصاعد)، سوى أنها كائنات متطرفة فجرت برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، خريف العام 2001. ومن يعرف الخطط ويرسم الاستراتيجيات هم حلفاء أمريكا السريون الذين أشار إليهم هايدن في لحظة كاشفة وغير متوقعة، والذين يتخذون من الأطراف الراديكالية المتطرفة وسيلة وأداة لتمرير مخططاتهم الشيطانية اللعينة.
الشعوب العربية والآسيوية وحتى الأوروبية والأمريكية، ستدفع ثمناً باهظاً نتيجة السكوت عن تلك المؤامرات الرهيبة التي تدور حولها منذ أكثر من 100 عام، وتستهدف الوجود الإنساني على كوكب الأرض بالدرجة الأولى، عبر تفتيت الشعوب ونسف الدول وبناء كيانات شيطانية وظيفتها الأساسية تدمير الوجود الإنساني، خدمةً لمآرب الشياطين من بني البشر، الذين باتوا يتربعون اليوم على كراسي معظم الدول العالمية، ويوجهون السياسات الدولية من خلف الكواليس، ويتحكمون بمفاصل الاقتصاد، ويسيرون الرأي العام العالمي نحو تحقيق أهدافهم ومآربهم.. لكن، حتى تلك الاختلالات العميقة التي ستحاول تلك الكائنات إحداثها لضرب العالم الحر، لن تدوم طويلاً، وسرعان ما ستعود الشعوب العربية الى مراكزها القيادية والريادية كجينات امبراطورية حضارية معاصرة، بينما تذهب تلك الامبراطوريات وأجندتها الهلامية الى قواميس التاريخ الغازي، وتبقى علامات فارقة في صفحاته.

أترك تعليقاً

التعليقات