عبدالرحمن هاشم اللاحجي

يبدو أن الضربة الأمريكية الأخيرة التي استهدفت قاعدة الشعيرات السورية، أواخر الأسبوع المنصرم، ستكون بالفعل عود الثقاب الذي سيشعل فتيل حرب عالمية ثالثة بين أقطاب المعادلة الأممية المؤثرة في صناعة القرار الدولي، فما أحدثته من شروخ حادة في جهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة منذ أكثر من 6 سنوات عبر مندوبيها الدائمين الى هناك، عميقة جداً، وما أنتجته من تصدع وتدهور في العلاقات المترهلة بين الأطراف المتصارعة، معقد وملغّز ولا يمكن تجاوزه إلا بحرب ضروس.
حتى الآن لم يصل الأمريكان والروس الى أي حلول أو قواسم مشتركة أو شبه مشتركة من شأنها أن تعيد المياه التفاوضية الى مسارها الطبيعي، وتدفع بعملية السلام نحو الأمام، فعلى الرغم من الاتصالات الدبلوماسية والاجتماعات السريعة والمكثفة التي حاولت احتواء الموقف منذ الوهلة الأولى للحادثة المفاجئة، حسب توصيف وسائل الإعلام الروسية والإيرانية، والتي كان آخرها اللقاء الهام الذي جمع وزيري خارجية البلدين في العاصمة الروسية موسكو، قبل نحو 6 أيام، إلا أن كل تلك الجهود باءت بالفشل، ولم يتمخض عنها سوى زيادة القناعات الدافعة باتجاه الحسم العسكري كحل نهائي لا بديل أو تراجع عنه.
اللقاءات الروسية الإيرانية الهادفة الى صناعة فعل مضاد يوازي الفعل الأمريكي أو ربما يفوقه في القوة، ظلت قائمة منذ فجر الحادثة، وإن ظهر مسؤولون سياسيون سواء كانوا روسيين أو إيرانيين، على وسائل الإعلام، بلغة منمقة ولطيفة، داعية الى التقارب ومد جسور التواصل مع الجانب الأمريكي، فهي ليست أكثر من محاولة ذكية ترمي الى تلطيف الأجواء وتهيئة المناخ للقيام بعملية انقضاض خاطفة، وهنا يجدر بنا القول بأن على الأمريكي أن يحذر جيداً.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان ألغى عدداً من المواعيد المدرجة ضمن جدول أعماله عشية الخميس الماضي، وفضَّل أن يعقد اجتماعاً طارئاً بقيادات رفيعة في الأمن الروسي، لتدارس الوضع الدولي الذي تمر به روسيا العظمى، حد وصف وسائل الإعلام الروسية. وقد تمخض ذلك الاجتماع عن جملة من القرارات الهامة التي ترجمتها البحرية الروسية في وقت لاحق بإرسال مجموعات إضافية من الفرقاطات والمدمرات الروسية الى سواحل المتوسط، تحسباً لأية ردة فعل قد تأتي من قبل الأمريكيين. وعلاوة على ذلك، وفي ذات الجانب تقريباً، فالرئيس الكوري الشمالي كان أصدر قراراً رئاسياً قضى بإجلاء جميع سكان العاصمة الكورية بيونغ يانغ الى مخابئ مجهولة، ومن يعرف الزعيم الكوري سيدرك تماماً أن ذلك الرجل لا يفعل شيئاً جزافاً، كما أنه لا يمزح على الإطلاق.
باتت القناعات الدولية بخوض رحى معركة عالمية حاسمة متوفرة ومرتفعة أكثر من أي وقت مضى، ولدى جميع الأطراف الدولية ذات العلاقة تقريباً، وما يؤخرها هو ترتيب الأوراق وانتظار الفرصة السانحة والمناسبة للشروع فيها، على أن من المهم هنا أن نشير الى أن هذه القناعات تزايدت لدى الأمريكيين بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد الهزيمة السياسية الباردة (الساحقة) التي لحقت بإمبراطوريتهم خلال السنوات الـ6 الماضية، والتي كان لليمنيين تحديداً الحظ الأوفر منها.
حاول الرئيس الأمريكي الحالي (دونالد ترامب) أن يبدو قوياً ومتزناً أثناء إصدار توجيهاته بضرب قاعدة الشعيرات السورية، فقد أظهرته وسائل الإعلام بالرجل القوي المنتشي الذي يأكل قطعة من الشوكولاتة أثناء قيامه بعملية فارقة في التاريخ الأمريكي، لكنه لم يكن يعلم ـ كما يبدو ـ أن تلك القطعة كانت مكشوفة، وملوثة، فقد شعر بعدها بمغص حاد في معدته أجبره على إلقاء بعض من فضلاته على جماعة من تنظيم داعش في جبال أفغانستان، ليلة الخميس، لما قال بأنها قنبلة تزن 11 طناً، وأن ما بعدها لن يكون إلا قنبلة (نووية) من الطراز الفتاك. ترامب وإن استطاع أن يُخفي بعضاً من ذلك الألم الشديد، خلال برهة من الزمن، فإنه لن يستطيع أن يفعل ذلك طوال الوقت.
من المؤكد أن اندلاع حرب عالمية سيخفف الضغط كثيراً علينا نحن اليمنيين المحاربين منذ القدم، وهذا ما يهمنا في هذا الصدد، لقد استطعنا أن نُقلّم أظافر الإمبراطورية الأمريكية، وهي بكامل قوتها وأناقتها ونفوذها، وأن ندحر شرها عن العالم بمفردنا وببندقيتنا التي يعود تاريخها الى الحرب العالمية الأولى، فكيف سيبدو الحال بعد أن يتم حشرها في صراعات متكافئة مع دول عظمى كروسيا أو إيران أو حتى كوريا الشمالية؟! بلا شك سيبدو ذلك الأمر سهلاً جداً أمامنا.

أترك تعليقاً

التعليقات