رجال في مواكب النصر
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا - 

في هذا الزمن العربي الرديء الذي نعيشه، والذي ليس فيه سوى حضور هزلي ومحدود الأهداف والاستراتيجيات لأنظمة عربية غارقة في وحل التبعية والتذبذب في مواجهة العدو، أنظمة قمعية جعلت شعوبها مذلة، مهانة، مذعورة كالأرانب، وبوجودها أصبحت القضية الفلسطينية من أفظع المآسي ثقلاً، وأبشعها شكلاً، وأكملها مؤامرة، وأكثرها كشفاً لخضوع تلك الأنظمة وضمورها وتهاونها وقرب انهيارها أيضاً. وليس غريباً في هذا الزمن الجاحد أن تطالبنا مملكة الشر السعودية بأن نشطب بجرة قلم من حياتنا مواقف مناضلين صمدوا في وجه الاحتلال الصهيوني وأدواته في المنطقة ودفعوا من لحمهم ودمهم أثماناً باهظة لدرء مصير مشؤوم لا ينتظرهم وحدهم بل ينتظرنا جمعياً! تطالبنا مملكة الشر في هذه اللحظة المصيرية بأن نبصق عليهم ونتهمهم بالإرهاب وندير ظهورنا لهم ونتحاشاهم! بأي منطق ديني أو قومي أو أيديولوجي ينسجم هذا الفعل؟! تطالبنا مملكة الشر السعودية بأن نترك القضية الفلسطينية تعيش مذابحها وحيدة، أن نترك أصحاب الحق لوحدهم وبالضريبة التي سارت بها دائماً.
في هذا الزمن الجاحد، وفي لحظة تاريخية مفصلية، تأتي مبادرة سيد الثورة وقائدها بمبادلة أسرى سعوديين بمعتقلين فلسطينيين وجهت لهم السلطة السعودية وبطلب من أمريكا و"إسرائيل" اتهامات بدعم كيانات إرهابية! وهذه المبادرة منسجمة مع مواقف وثوابت ومبادئ وشعارات ثورة 21 أيلول في مقاومة العدو المشترك، وأيضاً في سياق التلاحم والتضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق والمقاومة الفلسطينية والوقوف بثبات إلى جانب الشعب الفلسطيني والقضايا القومية بشكل عام.
 هناك قيادات مؤهلة للتعامل فكراً وعملاً مع وقائع الاختراقات الوطنية والقومية انطلاقاً من الرؤية الثورية الثاقبة ذات المضمون القومي والإنساني والتحليل المنطقي للواقع العربي الذي أنهك بالتجزئة والاستغلال والقمع، وأيضاً عجزه عن مواجهة التحديات الدولية، خصوصاً بعد أن داهمتنا أمريكا بنظامها العالمي الجديد الذي يستهدف الكيانات الضعيفة والهويات الثقافية للشعوب. تلك القيادات الثورية استحقت أن تتبوأ أوسع وأعمق مكانة في لوحة الفاعليات السياسية والعقائدية والقومية، وأثبتت خلال فترة وجيزة تمتعها بحس وطني قومي وإنساني أفضل بما لا يدع مجالاً للمقارنة مع أولئك الذين لم يتركوا معنى ذا دلالة مضيئة للفعل الإنساني، للانتماء الوطني والقومي، للحرية والنضال والعقل المقاوم لكل أشكال الظلم وسلب الحقوق، أنظمة تعمل جاهدة على قمع كل حركة تريد -فعلاً لا قولاً- إعادة تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح. لقد أحيت المبادرة آمالاً عريضة وحركت مشاعر عارمة في لحظة وجدانية نادرة. وفي مقدمة تلك الآمال تقوية النسيج الموحد والتلاحم القومي والمصير المشترك. المبادرة أتت في لحظة تاريخية هامة، ومنعطف فاصل، لتعزز قيم الحرية والتقدم والمقاومة بعد كل المحاولات الاستعمارية لطمس القضية الفلسطينية بصفقة القرن، والهرولة نحو الهبوط الكارثي بالتطبيع مع العدو. المبادرة أثبتت أن محور المقاومة العربية الإسلامية يملك حكماً مقومات الاستمرار الذاتية من حيث قابليتها للتطور النوعي والكمي، وأن تطورها سيفتح الأبواب على مصاريعها، وعلى كل الاحتمالات.
المبادرة كانت ضرورة لتغيير كل مستويات التعاطي مع القضية المصيرية وحاجة الأمة العربية لنهج قومي عام لترميم هذا التعاطي ودفعه إلى أقصاه لاستنهاض أمة طالت غفوتها بأكثر مما يحتمله الكابوس ذاته.  

أترك تعليقاً

التعليقات