30 نوفمبر الاستقلال
 

طاهر علوان

طاهر الزريقي / لا ميديا -

استحق شعبنا في الجنوب الحبيب استقلاله بجدارة، بعد حقبة طويلة من الصراع مع الاستعمار البريطاني وأدواته من سلطات المشيخات والمحميات وهيمنة وسيطرة الشركات الخارجية، والمصارف والبنوك الدولية العملاقة المتحالفة مع قوى "الكمبرادورية" الوسيطة والمعتمدة من العناصر المتنفذة والطفيلية في المجتمع. لقد كانت كل المعطيات المادية تشير إلى استحالة انتصار الفدائي اليمني والجماهير اليمنية بإمكانياتهم الضئيلة على قوات المستعمر البريطاني الذي لا تغيب الشمس عن مستعمراته، حيث الكثافة البشرية المدربة والمنظمة والسلاح الحديث في مواجهة فرق فدائية غير منظمة، وسلاح بدائي ورجال يبحثون عن الحرية والاستقلال من عيون كائنات مفترسة، بل إن كل المعطيات كانت تقول إن الهزيمة سوف تكون مروعة، ومع ذلك انتصرت الإرادة الحرة ضد العبودية، لأن التوازن الحقيقي كان يكمن في معادلة أخرى هي الإيمان في مواجهة السلاح والاستكبار.
انحسر الاستعمار البريطاني عن الجنوب واقعياً وعملياً، إلّا أن مفاعيله المدمرة لحضارتنا واقتصادنا، والمفتتة لمجتمعنا، استمرت بالتفاعل وخلق أسباب ومسببات تفجير الأوضاع، وزرع قنابل موقوتة تتحكم في تفجيرها عن بعد وعلى المدى القريب والبعيد، بعد أن عملت على تقسيم البلاد إلى مشيخات وسلطنات ومحميات لتفتيت وحدة اليمن واستقلالها سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، ولم يكتمل معنى الاستقلال ولم يتجسد الفكر الوطني على أرض الواقع كقطيعة تامة وناجزة مع كل رواسب الماضي من ثقافة وفكر الاستعمار، وتشوهات التخلف من الفكر إلى الممارسة، من الأعراف كما في التشريع، وعتق الإنسان من ارتهانه للقبيلة، والعصبية، والطائفية، والمناطقية، وتجعله إرادة حرة في تحديد مصيره بعيداً على الوصاية والارتزاق.
نحتفل اليوم بذكرى الاستقلال والجنوب الحبيب يمر بظروف بالغة الدقة والخطورة، خصوصاً وأن رحى معارك الاقتتال القبلي والمناطقي تتفاقم بشكل أكبر خدمة للاستعمار والهيمنة السعودية والإماراتية، ولا توجد أي معطيات تدل على توقفها حتى الآن، وما يمكن أن يحمله هذا الاقتتال من مخاطر جدية لا يمكن تجاهل عواقبها الوخيمة على أمن واستقلال اليمن، ويوماً بعد يوم يشتد القلق تجاه المخاطر الاستثنائية الناجمة عن الاستعمار عبر أدواته السعودية والإماراتية، حيث تسعى الإمارات إلى تعميق الأزمات، وترسيخ العصبيات ومشاعر العداء والمناطقية وانحسار الشعور الوطني وتكاثر الأحقاد وتدفقها بكثافة ملحوظة، هناك حقد غير مألوف على كل ما هو يمني من قبل استعمار متخلف، ونظام مليء بالشوائب، والفساد، والتخبط، والاستكبار، وكل ما يمكن تصنيفه في خانة النعوت والأعمال الشيطانية.
السعودية والإمارات لديهما أطماع استعمارية في الجنوب الحبيب، واتفاق الرياض الأخير محاولة لتطويع مرتزقة الدنبوع ومرتزقة المجلس الانتقالي والتوفيق بينهما بما يضمن ويحقق للإمارات والسعودية الاستمرار في نهب خيرات الجنوب الحبيب والسيطرة على قراره السيادي، والسعودية خاصة تسعى لتعويض خساراتها وهزائمها وفشلها من خلال السيطرة على الجنوب، لكنها لا تستطيع كتم أنفاس رجال الرجال وحبسها وتصفية وجودها، وأن صدى صوت واحد من أصوات رجال الرجال أقوى من أصوات الأساطيل والقاذفات وهدير الطائرات، وتلك الأفواه التي تسترجع صدى صوت الأسياد.
إذا كانت بريطانيا وأمريكا والسعودية والإمارات تاريخاً استعمارياً، فاليمن تمثل سجلاً ساخناً من تاريخ الحرية الملتهب.

أترك تعليقاً

التعليقات