الخداع الأمريكي
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي

التهريج السياسي، والدبلوماسي، والإعلامي للإدارة الأمريكية بإعلان دعمها لوقف العدوان، ودعوتها لإحلال السلام والاستقرار في اليمن، والعودة إلى المفاوضات والمشاورات السياسية، تلك الدعوة لا تختلف عن سابقاتها من المبادرات والمشاورات والمفاوضات التهريجية، والتي اتسمت بالعبثية وعدم المصداقية، وتزامنت مع تصعيد العمل العسكري وتكثيف الحملات على جميع الجبهات والقصف المتواصل. تعتمد تلك الدعوة في مضمونها التعسفي على تثبيت السيطرة الأمريكية السياسية، والاقتصادية، والعسكرية على اليمن، وإحياء مشاعر التعصب، وتشجيع الحركات الانفصالية لخلق كيانات صغيرة، وتقسيم اليمن إلى مربعات مناطقية طائفية قبلية، ليسهل ابتلاعها وهضمها.
الدعوة الأمريكية للسلام متزامنة مع الانتخابات النصفية الأمريكية، والزوبعة الإعلامية لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ومحاولة الإدارة الأمريكية لامتصاص حالة الاحتقان والغليان المحلي والدولي. إعلان أمريكي مغشوش ومزيف، ومن إنتاج نفس الدولة المارقة، والمخططة، والمشاركة بكل ثقلها وإمكانياتها في العدوان على اليمن، أمريكا (الشيطان الأكبر) الذي يسكن أزمنتنا وحضارتنا، يدمر، ويجتاح، ويحتل، ويقصف، ويقتل في الليل والنهار، وبصمت مخيف، من عالم يدعي التحضر والمدنية. سلام زائف ومغشوش بدأ مكشوفاً وعدواناً جديداً لإخضاعنا، ولتكثيف العدوان، ومحاصرة القوى الوطنية الرافضة للعدوان والاستسلام، وتحويل المنطقة بكاملها إلى بحيرة أمريكية دون منازع، وتأكيداً لاتهاماتها السابقة بأن نظام صنعاء ضد الحلول السلمية تمهيداً لعزله وإعطاء شرعية لتصفيته نهائياً بحجة خروجه عن مألوف عصر السلام الأمريكي. 
السلام وإيقاف العدوان من مطالبنا الأساسية، أما الدعوة الأمريكية ما هي إلا تغطية للإخفاقات المذلة للتحالف الأمريكي السعودي في حسم المعارك وتحقيق أهداف (عاصفة الحزم)، وإيجاد وسيلة لتخطي الضريبة الباهظة السياسية، والاقتصادية، والمعنوية، التي ستدفعها أمريكا في حالة نجاح عملية السلام الشامل والعادل، بسبب تعثر حلولها العسكرية، وهزيمتها ودخولها في نفق مظلم على وقع تلك النكبات والانتكاسات، ووحشية أتباعها في تنفيذ عدوانهم على اليمن.
ما يشغل أمريكا هو ترتيبات ما بعد العدوان، وشكل المنطقة، وتوزيع القوى والمصالح فيها، وإعادة تقييم قدرة القوى المؤثرة فيها، وتغيير شكل التوازنات السياسية والاستراتيجية لصالح السياسة الأمريكية، وإعادتها إلى ما كانت عليه، ووضع الضوابط الخاصة لضمان استمرار وجودها، ونفوذها، وسيطرتها، وعدم وجود أي تهديد لها في المستقبل، وضرورة حل الأزمة اليمنية بحيث تشكل نموذجاً يمكن تطبيقه في صراعات إقليمية أخرى.
فشل الإدارة الأمريكية في فرض إرادتها وحل الأزمة اليمنية بطريقتها الملتوية، يدل بوضوح على الأزمة التي تجد الإدارة الأمريكية نفسها فيها، وأنها تحصد ما زرعته بسياستها العدوانية، ولاتزال تتمسك بعناد بتطبيق السياسة نفسها بإعلانها السلام الكاذب والمغشوش والمخادع، بينما ما تريده هو الإبقاء على الخيار العسكري الأكثر مصلحة وجدوى لها ولشركاتها العملاقة، وسيطرتها على ثروات المنطقة. إذا كانت سياسة أمريكا قد استهدفت بعدوانها وحصارها الاقتصادي الخانق، تجويع ملايين اليمنيين، فقد نجحت إلى حد كبير، أما إذا كانت قد استهدفت كسر الثورة اليمنية وإرادتها، فقد حققت فشلاً ذريعاً. 

أترك تعليقاً

التعليقات