كاسترو وجيفارا تحت الحصار
 

طاهر علوان

نصف قرن من الحصار عاشها القائد الثوري، والعملاق الأممي فيديل كاسترو، ورفيقه في النضال الإنسان الرائع والأممي الشجاع تشي جيفارا، الذي عاش جزءاً من ذلك الحصار والثورة التي حولت كوبا من حديقة خلفية ومتعة ودعارة لأمريكا، إلى حديقة ثورة، وعلم، وثقافة، وطب يخدم الإنسانية. ثورة كاسترو أشعلت أمريكا اللاتينية كلها ثورات متواصلة ضد الظلم والطغيان، ودعمت كل الحركات الثورية التحررية في العالم. مات كاسترو بين أحضان شعبه وثورته، ولم يغادرها إطلاقاً، أرغم أمريكا بطغيانها واستكبارها وبطشها، أن تركع وتخضع لجبروت الثورة الكوبية، وتأتي إليه طالبة الصلح والمغفرة، من خلال زيارة الرئيس الأمريكي أوباما لكوبا مؤخراً.
في تاريخ كوبا حكاية قديمة من القرن السابع عشر، أي منذ عهد الاحتلال الإسباني.. جديرة بأن تحكى اليوم، ليس لما فيها من إبهار - وفيها منه الكثير - وليس لما فيها من (تطهير) بالمعنى الدرامي للكلمة- وفيها منه ما يفوق معظم الأعمال الدرامية العظيمة- إنما لما فيها من انعكاسات سياسية على واقع كوبا اليوم.
تقول الحكاية التاريخية إن الكونت كاسا بايونا الإسباني، أحد حكام كوبا الإسبانية، وهو بالتالي أحد أثرى أثريائها، كان يجمع 12 من العبيد الكوبيين، ويجلسهم معه على مائدته الحافلة بخيرات الأرض، ليلة (خميس العهد)، أي الليلة التي تسبق (الجمعة الحزينة).
كان الكونت يجلس على الأرض بعد العشاء، ويغسل أقدام المجموعة المختارة من عبيده، مؤكداً تواضعه الديني في أقصى صورة ممكنة، مقلداً السيد المسيح. 
في اليوم الثاني كان العبيد الـ12 يتحولون إلى مجموعتين عندما يعودون إلى مزارع التعب التي يملكها الكونت، مجموعة يجتاحها الحماس لرد الجميل للكونت الكريم الورع، فتعمل وتعمل حتى لا تعود ظهورهم تتحمل، ومجموعة ثانية يجتاحها الحقد على الكونت بسبب ما رأت داخل قصره من بذخ، فتشعل النار في المزارع ومصانع السكر، باختصار تضرم حقدها في كل ما يرمز إليه.
وتنتهى الحكاية بمجموعة أحكام إعدام عشوائية تشمل من غسل الكونت أقدامهم، وتشمل غيرهم أيضاً .
)المشهد الكوبي) خفر السواحل الأمريكيون يستقبلون الكوبيين الفارين من نظام كاسترو على ألواح خشبية تتقاذفها الأمواج، طلباً لفرصة عمل أو لفرصة حياة على الطريقة الأمريكية.. هرباً من فقر صنعته أمريكا. صحيح أن خفر السواحل الأمريكيين الأشداء، المفتولي العضلات، الذين تعكس وجوههم وأجسادهم تغذية فائضة عن الحاجة، لا يغسلون أقدام الكوبيين الهاربين، لكنهم يقدمون لهم بعض الغذاء والشراب، وبعض الكساء، وكلمات طيبة عن شجاعتهم في وجه طغيان فيديل كاسترو وفقر نظامه. 
بعدها يرسلون إما إلى قاعدة (جوانتانامو) البحرية الأمريكية في شرق وطنهم كوبا نفسه.. أو إلى القاعدة العسكرية الأمريكية القريبة في أراضي بنما، ليعيشوا داخل أسوار من الأسلاك الشائكة في معسكرات اعتقال جماعية بائسة. فلا عمل ولا حركة ولا فرصة حياة على الطريقة الأمريكية.. أو حتى الكوبية، والأقسى من هذا بلا وطن .
)المشهد اليمني) مشهد المرتزقة والرئيس الفار، والسعوديين يستقبلونهم في الرياض. صحيح أنهم لا يغسلون أقدامهم كما كان يفعل الكونت كاسا بايونا مع عبيده، لأن جميع محيطات وأنهار العالم لا تكفي لتطهير نجاستهم وخستهم، لكنهم يقدمون لهم بعض الغذاء و(الشراب) والدولارات، والعيش في الفنادق المحاطة بالأسلاك الشائكة، لا حركة ولا خروج إلا بإذن ولي أمرهم، بلا كرامة، ولا حرية ولا انتماء للوطن، حتى تنتهي مهمتهم الحقيرة، وإلى مزبلة التاريخ، والشواهد على ذلك كثيرة، لكن ما العمل؟ هؤلاء عبيد المصلحة الذاتية، شحاتون بالفطرة، والنخاسة تجري في دمائهم، ولا علاقة لهم بالوطن وكرامة أهله .

أترك تعليقاً

التعليقات