غزو ثقافي
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا

تحاول أمريكا بكل ما تملك من مقومات القوة بعناصرها المختلفة، وبترسانتها العسكرية المتطورة بأحدث التقنيات التي وفرت لها نفوذاً سياسياً وثقافياً وسيطرة مطلقة على العالم، وليس هناك مرجعية لشرعية دولية سوى لأمريكا، تحاول فرض الحرب والثقافة الرخيصة والمبتذلة كنظام ونمط حياة لسائر المجتمعات بما فيها الدول الأوروبية. 
امبراطورية بهيمنة تقنية وعسكرية وثقافية ساحقة، ولا تحمل أي مشروع إنساني قادر على إعطاء معنى للحياة وللتاريخ. العالم المعاصر وخاصة أوروبا لا يروق لها تلك السيطرة والهيمنة لافتقاد أمريكا المؤهلات والعمق الحضاري والتاريخي والسلوك الإنساني، ليس لديها أصول تراثية ومؤهلات ثقافية كسائر دول أوروبا، ولا يمكن أن نتوقع منها غير القسوة والعدوان، والظلم والإرهاب، وغزوها الثقافي للعالم لا يتحقق بغير القرصنة والاغتيالات الدموية والروحية والعقلية والنفسية والأحلام الدنسة والدنيئة التي تحققها مافيات الدعارة الجسدية والغنائية والسينمائية والمسرحية، وأيضاً الدعارة المكتوبة ومئات بل آلاف العناوين الدينية والتي لا علاقة لها بالدين، والكتابات الأدبية وجوائزها المذلة والمهينة والتي لا علاقة لها بالأدب وتخدم التوجه الامبريالي، والأفلام السينمائية الرخيصة وأغلفة المجلات الفنية المثيرة للغرائز والتي لا علاقة لها بالفن، كل تلك الترهات والسخافات ونمط أسلوب الحياة الأمريكية تُفرض بحكم القوة والهيمنة الأمريكية حتى على الثقافة الأوروبية، والتي جعلتها مطاردة في عقر دارها، مع العلم أن الثقافة تتمثل في السلوك والندية، وليس في الفرض والاستعلاء والقرصنة.
الفرنسيون هم أول من أطلق إشارة التحذير من خطر الغزو الأمريكي الداهم على الثقافة الأوروبية عموماً، وبالأخص على الثقافة الفرنسية، وبقوة حاولوا التصدي لحماية تراثهم الثقافي، وتقديم الدعم للغتهم التي شهدت انحساراً عالمياً أمام طغيان اللغة الإنجليزية التي تثير فيهم الشعور بالمرارة لتواجد قطعة من الثقافة الأمريكية اسمها (يورولاند) على الأرض الفرنسية لتقديم (ميكي ماوس) أمثولة وقدوة لأطفالهم، فإذا كانت هذه حال الأوروبيين وهم يملكون من الإمكانات ما يتيح توفير حماية ولو جزئية لهويتهم الثقافية وتراثهم، فما هي حال العرب أمام المد والغزو الثقافي الأمريكي والقنوات التلفزيونية السرطانية، والتي تتوالد حولهم بغزارة ملفتة، وأيضاً بتمويل ودعم دول تحالف العدوان المتواطئة مع الثقافة والقرصنة الأمريكية الاستهلاكية بقيادة مملكة الشر السعودية، والتي تريد أن تكون لها اليد العليا والسيطرة المطلقة على الأمة العربية والإسلامية، وهي لا تملك مقومات دولة، ولا تملك من العمق الحضاري والثقافي والموروث التاريخي سوى (سروال المؤسس)، نظام أسري متخلف وولادة معوقة ومشوهة وممسوخة وثمرة زواج غير شرعي مع الاستعمار والاحتكارات الأجنبية والصهيونية منذ التأسيس، وتحمل جرثومة سقوطها قبل تجليها في إنتاج الوعي الثقافي الزائف، حالة مستعصية من التبعية للاستعمار لا يقبل الاختراق، وتحالف صلب مع التخلف والعفونة والإرهاب يرفض التمدد بالحرارة والانكماش بالبرودة، لا يوجد تراكم معرفي، مجرد خواء وفراغ وقطيعة مع الثقافة الإنسانية متأصلة في جذور النظام، وإصرار جاهلي على إنتاج الوعي الزائف، وعداء حقيقي لكل ما هو جميل وإنساني، وعشق متناهٍ للتشويه والتدمير وإعلان الحرب على المعرفة الإنسانية والأنظمة الوطنية المقاومة، كيان متهالك متقزم، يروج لنفسه وكأنه قطب مؤثر في تحريك الأمة العربية والإسلامية واقتصادها وثقافتها، وعدوانه على اليمن هدفه فرض تلك الوصاية على الشعب اليمني بثقله وحجمه الحضاري وموروثه الثقافي وعمقه التاريخي. إنها سخرية الأقدار (وفاقد الشيء لا يعطيه).

أترك تعليقاً

التعليقات