كاسترو وأطول حصار في التاريخ
 

طاهر علوان

قبل عام غيبت الأقدار الشخصية المحورية التاريخية القائد الثوري كاسترو، الذي توحد مع تحالف قوى شعبه في إطار ثوري، ليصنع ملحمة أسطورية للخروج من الحصار الاقتصادي وبناء الاشتراكية وإسكات الأصوات الناعبة من الخارج لإسقاط النظام والتخلص من العملاق كاسترو، وتزايدت تلك الأصوات عندما وقعت الطامة الكبرى (البروسترويكا)، ووقف المساعدات لكوبا.
فرض الحصار على كوبا عام 1963م وحتى يومنا، ويعتبر ذلك الحصار أطول حصار اقتصادي من نوعه في التاريخ القديم والحديث، وفرض الحصار على اليمن عام 2015م، وأصبح هذا الحصار الاقتصادي الجوي والبري والبحري وإغلاق جميع منافذ الحياة، أحقر حصار متوحش همجي لاإنساني في التاريخ المعاصر، تسبب في موت وشقاء ونكبات وكوارث اقتصادية وإنسانية تجاوزت كل الحدود والتوقعات، مع دعوات صريحة ووقحة لإسقاط النظام الكوبي والتخلص من الثورة اليمنية من نفس العدو المشترك ونفس العقلية ونفس المخطط الأمريكي وإن اختلفت الأدوات، الطاغية باتيستا في كوبا ومرتزقته في الخارج، وفي اليمن الدب الداشر بن سلمان والدنبوع ومرتزقتهما في الرياض، صمد النظام الكوبي وصمد الشعب اليمني.
كاسترو ونظامه الحديدي أفشلا كل محاولات التركيع والخضوع، وأفشل سياسة التجويع والتدهور العام بسبب نقص الموارد ونفاد الطاقة نفس المخطط الذي يمارس الآن في يمن الثورة، وفي اعتقادهم أن تلك المخططات سوف تسقط الأنظمة الثورية المؤمنة بعدالة قضيتها والتحرر من العبودية الإمبريالية العالمية، لم تستطع أمريكا بجبروتها إسقاط نظام كاسترو، ومن المستحيل أيضاً إسقاط ثورة الشعب اليمني وصموده الأسطوري.
الثورة الكوبية أصبحت قدوة للشعوب المضطهدة والمستضعفة، وجعلت من كاسترو بطلاً يُستقبل استقبال الأبطال في كل العالم، النظام الكوبي لا يمكن تشبيهه بالأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، فالقيادة الكوبية تحظى بشرعية ثورية نتيجة المكاسب التي حققتها بالمقارنة بالبلدان الأخرى في أمريكا اللاتينية، وإنجازاتها الباهرة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية بفضل التطبيق العلمي للاشتراكية، النظام الكوبي جعل من المستحيل الحكم على فشل النظام الاشتراكي العلمي، حيث استطاع ربط الديمقراطية بالمطالب الاجتماعية وقدرتها على إشباع حاجات المجتمع الأساسية من غذاء وصحة وتعليم وعمل وثقافة، كاسترو قاتل مع شعبه لبناء الاشتراكية والنظام العادل، وتحدى أمريكا وجبروتها وهو على بعد مرمى من مدافعها، حتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وخروجه من دائرة الصراع، وبفضل النظام الاشتراكي كضرورة للشعوب والدول الساعية للتنمية وتحقيق العدل الاجتماعي بالسيطرة على وسائل الإنتاج وتسخيرها لصالح المجتمع وتوجيهها لتحقيق أعلى معدل للتنمية وجعل الملكية العامة وسيلة فاعلة وأساسية من وسائل سيطرة الشعب على موارده وتحقيق الربح الاجتماعي للاقتصاد القومي، حيث العدالة الاشتراكية لا تخضع للمعايير (الشخصية) كما هو الحال في الفلسفات الأخرى، وكأنها إحسان من جانب الطبقة الحاكمة للجماهير، ولابد من امتلاك الجماهير لوسائل الإنتاج، حينها فقط يصبح المعيار (موضوعياً)، ويتخذ من العمل الإنساني معياراً وحيداً لتوزيع الدخل القومي (كل حسب عمله)، وهو معيار يضمن العدالة المطلقة، ولا يتيسر ذلك في المجتمعات الإقطاعية والرأسمالية، حيث يتحول عمل العاملين إلى أرباح وفوائد لرأس المال، وعائد للأراضي تستنزفه الطبقة الإقطاعية والرأسمالية، تاركة الفتات للجماهير العاملة - إن تركوا شيئاً يذكر - والمعروف أن توزيع الدخل القومي في المجتمع الاشتراكي يخصص جزءاً للأجور، وجزءاً للتنمية حسب الطموحات التنموية التي يستهدفها المجتمع، والباقي للخدمات العامة، وهي تعود من ناحية أخرى على العاملين، وترفع من مستوى كفاءتهم الإنتاجية والإنسانية.

أترك تعليقاً

التعليقات