الثـــورة.. والدولــــة
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا

الإنجازات التي تحققت خلال الفترة القصيرة لثورة أيلول، ليست قليلة إذا أخذنا في الاعتبار الوضع الكارثي والمأساوي الذي يخلفه العدوان الهمجي المتوحش من تدمير للبنى التحتية، وأيضاً تمزيق البنى الاجتماعية، ومع ذلك كله استطاعت الثورة بقيادتها الحكيمة التغلب على تلك الكوارث والمصاعب، وأظهر الشعب اليمني قدرة فائقة في الصمود المدهش والتصدي لتحديات المصير التي تتالت عليه قاسية ومدمرة.
بكل هذا الحمل الثقيل، ووزر المراحل السابقة لأنظمة فردية استبدادية قمعية، وبطموح يتجاوز الواقع الرديء، تمد ثورة أيلول جسوراً نحو المستقبل لتحقيق حلم اليمنيين في بناء دولة عصرية بمؤسساتها المدنية، لتشكل معبراً قوياً وراسخاً نحو الحياة المتطورة، اجتماعياً واقتصادياً، نحو دولة النظام والقانون والديمقراطية والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، بعد الضعف وتكريس التبعية والانصياع لإرادة الغير بفعل وممارسة تلك الأنظمة الفاسدة، وخصوماتها، وهروبها من بناء دولة، بمؤسساتها القانونية والقضائية والأمنية، خوفاً على سلطتها الأسرية، ومصالح العشيرة والفئة الاجتماعية الفاسدة التي تعتمد وتستند عليها، في إدارة النظام القمعي الاستبدادي، تلك الأنظمة جعلت الخلاص من نظام الوصاية، والوضع المتردي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، مبتوراً، ومنعدماً، وأفقدت اليمن أهم مميزاتها الحضارية؛ الانفتاح، والتفاعل مع المجتمعات المتحضرة بقيمها الإنسانية والثقافية.
مشروع ثورة أيلول في وثائقها وأدبياتها، استعادت دور ومكانة اليمن وإنسانها لترسيخ مجتمع إنساني، ودولة عصرية بمؤسساتها المدنية، وعدم الارتهان للحياة ذات البعد الواحد، والتطورات المتلاحقة والتحولات المضطردة آلية من آليات الثورة لخدمة المجتمع، كل فئات المجتمع، بغض النظر عن الانتماء المناطقي والاجتماعي أو الحزبي أو الفئة أو العشيرة، دولة أهم شروطها الأساسية انخراط جميع أبناء الوطن في المعادلة السياسية، والمشاركة الفعالة والإيجابية، في جميع مرافق الدولة، وإعطاء كل صاحب حق حقه، وطن لجميع أبنائه.
مشروع ثورة أيلول إقامة دولة تملك كل السلطة، والسلاح، والثروة، عبر مؤسساتها، وقوانينها العادلة، والتي تجعل الإنسان متحرراً من كل استلاب سياسي واقتصادي واجتماعي، متحرراً من العوز والحاجة أو أي امتهان يمس كرامته وإنسانيته، دولة يكون فيها الحق الطبيعي والقانوني لكل مواطن، ممارسة العمل والإنتاج والحق السياسي والنشاط الاجتماعي دون خوف أو قمع السلطة واستبدادها واحتكاراتها، شديد الثقة بدولة النظام والقانون، وبمؤسساتها القضائية والأمنية، دولة تخرج اليمن من التشرذم، وتعيد بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية، وإلغاء الولاءات الشخصية والمناطقية والحزبية في الجيش، لتصبح اليمن الحضن الدافئ والحقيقي لكل الوطنيين، والوطن غير المسلوب، والمصهر الحقيقي للوحدة الوطنية، والمجتمع المتكاتف الموحد الولاء والانتماء، وطن آمن نستطيع أن نعيش فيه آمنين، حر من أية وصاية وهيمنة واستغلال، لكي نكون أحراراً به وفيه، ترتفع راياته خفاقة تعانق الثريا كي ترتفع به وله هاماتنا، ولابد أن يكون الوطن لنا كي نكون له، وأن تكون الدولة قوية وقادرة بهوية وطنية يمنية الإرادة والأداة، حضارية المسلك، تستلهم التراث الإنساني، متفتحة عليه، تدعم صياغة نظام عالمي إنساني الهدف والتوجه، يقدس حرية الإنسان وسيادته وسعادته، نريد وطناً بتلك المواصفات والمقاييس والمواقف، وإلا فلا نحن للوطن، ولا الوطن لنا، وأجدر بنا وبه أن نبحث عن هوية جديدة، وانتماء جديد. 

أترك تعليقاً

التعليقات