أعـــور علـــى كيفـــه
 

طاهر علوان

السؤال الموضوعي والمنطقي الذي طرح على المبعوث الأممي ولد الشيخ من قبل الصديق رئيس تحرير صحيفة (لا) الأستاذ صلاح الدكاك، حول العدوان الأمريكي السعودي على اليمن: (هل للأمم المتحدة أن تضطلع بدورها بعد أن تغاضت عاماً كاملاً عن العدوان ليفتك بالبشر، وقبل ذلك ليفتك بحوار قائم برعايتها، وأقر به بن عمر، فقال إن العدوان الأمريكي السعودي اعترض طريق المفاوضات، هل تبدؤون من حيث انتهت المفاوضات، أم أنكم تريدون أن تذهبوا بالمفاوضات إلى مسار آخر؟). 
تلعثم وتهرب ولد الشيخ يكشف غياب التصور الأممي لمسار مشاورات الكويت، فاكتفى بالتلميح إلى أن هناك سوء فهم لدور المبعوث الأممي.
 بالعكس هناك وضوح إلى أبعد حد للموقف السلبي للأمم المتحدة، ولقراراتها المائعة، وانحيازها للظلم والعدوان، والذي يكشف عن ملامح النظام العالمي الجديد. 
تذكرني تلك المواقف بطرفة شعبية صالحة لاختصار (المطولات الفكرية) التي تدبج لتفسير (الجديد) في المنحى الأخلاقي للسياسات التي يجري تطبيقها باسم (الأمم المتحدة) على امتداد العالم.
جلس رجل لاستصدار (جواز سفر) أمام الموظف الذي كان يتفحص ملامحه للبحث عن (علامات فارقة). أغمض الرجل عينه اليمنى، فدون الموظف في (جواز السفر): أعور في العين اليمنى. نظر إليه مرة أخرى، فوجد اليسرى مغمضة، شطب ما دونه، وكتب بدلاً منه أعور في العين اليسرى.. وفي المرة الثالثة عاد الرجل الظريف، وأغمض اليمنى، ارتبك الموظف مرةً أخرى، وكتب أعور في العين اليمنى... وهكذا، وبعد مرات عديدة خلص الموظف نفسه من الارتباك، وسجل، في مربع العلامات الفارقة: (أعور على كيفه)!
طرفة لاذعة، تتدفق سخرية تعبر عن الوضع الراهن، ومواقف الأمم المتحدة وبركات قراراتها الجائرة في ظل النظام الدولي الجديد الذي تخلقه السياسة الأمريكية وصبيانها، وتطبق على المقهورين ضحايا تلك الطرفة، وفصول ومهزلة الفرجة الرخيصة التي تعرضها الولايات المتحدة على العالم من أقصاه إلى أقصاه.
أمريكا سعت إلى (عولمة الحروب)، ونجحت، فحرب البلقان أخذت أبعاداً عالمية، وحرب الخليج الثانية احتاجت إلى تحالف دولي، قيادته أمريكية، وأسلحته أمريكية، وحتى المشاركة في العديد ضباطاً وجنوداً، تحتكرها الغالبية الأمريكية التي لا ينعقد النصاب بدونها، ولا تصدر الأوامر إلا عنها ومنها!
وهكذا أصبح العالم تحت السيطرة الأمريكية المباشرة وغير المباشرة، مما يعزز دور القطبية الأحادية، وانفرادها في تقرير مصير ومستقبل العالم والكرة الأرضية بأكملها..
لايفيدنا إذن أن نكرر في كل مرة نُضرب فيها بالصواريخ الأمريكية، أسطوانة الشرعية الدولية المزدوجة التي تكيل بكيلين وتزن بميزانين، وتفرض على اليمن تنفيذ قررات مجلس الأمن، وتغمض عينيها عن العدوان الأمريكي السعودي والصواريخ الأمريكية بشرعية الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يحدد حالات استخدام القوة، بينما تترك السعودية تعتدي على كيفها، وتمسح بقرارات الشرعية الدولية البلاط. تلك أسطوانة مشروخة، يجوز أن نتبادل الاستماع إليها في اجتماعاتنا ومقايلنا، ولا يجوز لنا أن نستخدمها في إدارة الصراعات السياسية. فلا نحن بقوة السعودية، ولا مكانتنا أو أهميتنا لدى النظام العالمي الجديد بمكانتها وأهميتها له، فلا يحق لنا أن نطالب بمساواتنا بها، أو مساواتها بنا في الدخول في الفصل السابع من الميثاق، لأن هذا الفصل مخصص للأمم الفقيرة والمقهورة التي لا مال لها ولا جمال.
ما يفيدنا، هو أن نبحث عن مكامن القوة لدينا، فنحن لن نربي النظام العالمي الجديد والشرعية الدولية، ونعلمهما التهذيب، ونفرض عليهما المساواة بين الجميع، إلا إذا كنا أقوياء وموحدين، ومنصفين مع بعضنا البعض، وبدون ذلك لن نستطيع أن ندير صراعاتنا السياسية، أو نستخدم قدراتنا التفاوضية للحصول على ما يمكن الحصول عليه من حقوقنا، في ظل النظام العالمي الجديد، بعد أن تغلغل منطق وعفونة البترودولار في أعماق الأممية الدولية، وأفقدها طهارتها ومصداقيتها.. الأمم المتحدة سلبية، بل منحازة للعدوان الأمريكي السعودي على اليمن، وللسياسة الأمريكية السعودية، برغم إصرارهما على تحدي (الشرعية الدولية)، ومخالفة ميثاق الأمم المتحدة بإعلانهما الحرب على دولة، عضو في الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية، وبرغم ذلك أعلنت الحرب عليها باسم التحالف الدولي، وبغطاء ومشاركات دولية، وأضافت السعودية التحالف العربي الإسلامي، لكي لاتنقض وضوءها.
وبضوء أخضر أو أحمر من الشرعية الدولية، صبت الطائرات الأمريكية ما تيسر لها من القنابل الذكية الموجهة بالليزر، والصواريخ أيضاً الذكية.. ولكن لأسباب تتعلق بالذكاء وحده، أخطأت تلك القنابل والصواريخ الذكية طريقها إلى الأهداف المحددة لها، فتترك وراء قصفها وفي (ساحة المعركة)، أشلاء المدنيين العزل المتناثرة، ركام بيوت، أطفالاً قتلى، وأمهات يبحثن في غبش الدموع والعتمة الباردة، عن بقايا صالحة من عتاد الحياة.
 السعودية الباغية تحول الأراضي اليمنية إلى كرنفال دموي، والعالم يتمتع بأعصاب باردة، وبملكة استمتاع رهيبة من حزمة ضوء أخلاقي استثنائي ومثير، يطفو اليمني الضحية على دمه.. ويسبح فيه.. فيخرج محمد بن سلمان على العالم بتسامحه الأخلاقي، يستقبل المبعوث الأممي، ويقبل أن يتباحث معه، ويشرح له الموقف الإنساني لجلالة الملك والمملكة في دعم (الشرعية)، ومساعدة اليمن، وتحرير مواطنيه من الحياة ومصاعبها، وإعادة اليمن إلى (الشرعية) و(الديمقراطية) كأمثالها من دول الخليج وأخواتها!
السعودية (الديمقراطية) ستظل على تسامحها الأخلاقي: ستواصل حربها وفعالياتها اليومية في القتل والتدمير.. وسيتحمل حكامها، وعلى أعصابهم، استمرار (الحوار البناء) والمؤتمرات والمشاورات برعاية الوسيط الأممي ولد الشيخ. وقد تعلن السعودية (الديمقراطية) و(الأممية) استعدادها لاستقبال الشعب اليمني، وبالأصح ما تبقى من الشعب اليمني، في الرياض. فتعفي نفسها من (اللوم)، وتعفي أمريكا من (الحرج). أما الدول العربية والإسلامية فقد أعفت نفسها من (الاستنكار شديد اللهجة).
والحالة هذه، التي يتمتع بها النظام العالمي الجديد الذي تحرسه أمريكا وصبيانها.. فما على الناس في العالم الحر وغير الحر أيضاً، إلا الالتزام بالفرجة إلى نهاياتها الممتعة.. أو الموجعة.. لا فرق..!

أترك تعليقاً

التعليقات