سقوط طاغية
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي

استنفد الطاغية البشير كل ما لديه من إجراءات، وقوانين تعسفية لتغطية الفساد والوضع الاقتصادي المتدهور، وتثبيت سلطته المطلقة، والنهج الدكتاتوري بأساليبه القمعية الفاشية التي اعتمدها كسياسة رسمية ثابتة، لنظامه الجاثم على صدور الملايين من أبناء الشعب السوداني الحبيب، وتكريسه لقوانين لا مثيل لضراوتها في العالم، تمكن من خلالها من تصفية أبسط مظاهر الحرية والنشاط السياسي، وحقوق الإنسان، والعدالة والقانون حتى بمفرداتها البدائية، وتثبيت صلاحية مطلقة له، رافضة لكل القيم الإنسانية، والمبدئية في سياسته الخارجية، وتنقله العشوائي من حلف إلى آخر، وتغيير مواقفه حسب الطلب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وتحويل مواقعه وتحالفاته ومحاوره السياسية العربية، والأفريقية، والغربية أيضاً، في إطار تحقيق هدفه الوحيد المتمثل بالبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة. واجه نظامه القمعي خلال فترة حكمه انتفاضات عديدة قام بقمعها بمساعدة تلك التحالفات المشبوهة.
انتفاضة الخبز والحرية مختلفة تماماً عن تلك الانتفاضات السابقة، لأنها جمعت بين مطلبين هامين لاستمرار الحياة: مطلب اقتصادي لتحسين الأحوال المعيشية بتأمين رغيف الخبز، ومطلب سياسي بتغيير النظام.
كالعادة استخدم نظام البشير القبضة الحديدية لتفريق المتظاهرين وقتل العشرات منهم خلال أيام معدودة. استخدام العنف أعطى نتائج عكسية، وجعل المتظاهرين أكثر حماساً وقوة. انتفاضة جياع ومظلومين تطالب بالخبز والحرية والتخلص من نظام الطاغية البشير واجتثاث نظامه الفاسد وسياسته الغبية والمنحطة التي أدت إلى تدمير السودان والانتقاص من سيادته واستقلاله، وإفقار الشعب وإيصاله إلى درك الحرمان والمجاعة، وكانت هذه السياسة وراء الكارثة الوطنية الكبرى المتمثلة بمشاركته في تحالف العدوان على اليمن، والزج بأبناء السودان الحبيب في عدوان ظالم وخاسر، واستخدامهم كسلعة يتاجر بها بالمزاد العلني لمن يدفع أكثر. سياسة إجرامية فاشية، وأفظع حدث في التاريخ الإنساني المعاصر، ينتهجها نظام لمواجهة عجزه الاقتصادي، والتخلص من أزمته المتفاقمة، ومحاولته البائسة للإفلات من تلك الأزمات بإبرام صفقات على حساب دماء الشعب السوداني مع تحالف الدول المتورطة بالعدوان، وصفقات بوعود منحه مليارات الدولارات على شكل مساعدات وقروض واستثمارات تؤدي إلى إنقاذ النظام الفاسد من أزماته الاقتصادية، وتوقف انهيار عملته الوطنية، ولكن حتى الآن لم تقدم تلك الدول الخائبة والمفلسة أي شيء يذكر، ولم يحصل الطاغية البشير حتى على الفتات بعقليته الساذجة وطموحه غير المشروع، وكثيرون هم السذج الذين شلت عقولهم وعميت أبصارهم، وظنوا أنهم بمنأى عن رياح التغيير، وأنهم سوف يبقون إلى الأبد، وأن زمن التحدي والتغيير قد ولى، وقضاء الأرض أعظم من قضاء السماء.
ومع ذلك، هناك أوساط سياسية ونماذج متشابهة لنظام البشير، لا ترى في انتفاضة الشعب السوداني ضد الطغيان والاستباحة الدموية الشاملة التي ينظمها جلاد الشعب السوداني، إلا ضرباً من (التآمر) على وحدة السودان، وعملاً مدبراً يرمي إلى تقسيم البلاد وزعزعة استقرارها لمجرد توجهها الجريء والمشروع لإسقاط نظام الطاغية البشير، أليس في ذلك كله مفارقة تستدعي التعجب والذهول والمرارة في آن معاً؟!

أترك تعليقاً

التعليقات