هيثم خزعل

هيثم خزعل / لا ميديا -
أتذكر أنه وبعد اكتمال تحرير تدمُر وبادية حمص من قبضة «داعش»، حاول مسلحون ينتمون إلى «شكرة فاغنر» الأمنية الروسية عبور الفرات إلى شرقه فقام سلاح الجو الأمريكي بقصفهم، موقعاً منهم قتلى كثيرين دون أن تقوم روسيا بأي رد فعل على القصف. كان هذا القصف في طبيعته رسماً بالنار للخط الأحمر الأمريكي، وكان عدم التصعيد الروسي تسليماً بقدرة واشنطن على رسم خطوطها الحمراء في المنطقة.
اغتيال القائد الشهيد قاسم سليماني في طبيعته مشابها لحادثة القصف التي ذكرناها. كان رسما لخطوط أمريكا الحمراء بالنار في المنطقة. لا يمكنك أن تفهم حدثا بهذا الحجم إن لم تكن على دراية بطبيعة عمل الرجل. عشية اغتيال سليماني كان العراق قد وقع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الصين، وكان لبنان قد حرر جروده الشرقية ليكمل اتصاله بحمص والساحل السوري، وكان رجال الحشد يمسكون بقسم من حدود العراق مع سورية تمهيداً لما كان يحكى عن وصل جغرافيا المنطقة من إيران (وخلفها الصين وكامل شرق آسيا) مع بر الشام وساحلها عبر الربط السككي.
إذن، لم يكن عمل سليماني عسكرياً، بل كان عملاً استراتيجياً يهدف لتغيير خرائط المنطقة. شكل عمله الميداني تمهيداً لتحولات جيوسياسية وجيواقتصادية لا تجوف الوجود الأمريكي في غرب آسيا فقط، بل ترسم ملامح طرق التجارة وطرق مرور النفط والغاز في العالم عبر البر الآسيوي.
لهذه الدرجة من الخطورة كان هذا القائد الشايب والهزيل البنية شجاعاً ومتوثباً.
سليماني هذا شكل تهديداً للإمبراطورية الأمريكية ولكامل منظومة توزيع القوة والنفوذ والثروة في العالم.
أما حراكا تشرين العراقي ـ اللبناني اللذان تليا عملية الاغتيال، فكانا استكمالاً لعملية الاغتيال بالانقلاب الأمريكي على ما أنجزه سليماني، وهو فعل مستمر حتى اليوم. يحاول الأمريكي بالضغط والعقوبات والحصار والتفاوض تطويب غرب آسيا كمنطقة نفوذ أمريكية خالصة، من خلال إعادة رسم أسس الاقتصاد السياسي في كياناتها بما يضمن هيمنته لسنوات مقبلة يتفرغ فيها لتطويق وحصار الأقطاب الأوراسية الصاعدة بما بات يعرف بالاستدارة نحو آسيا.

أترك تعليقاً

التعليقات