المشهد اللبناني
 

هيثم خزعل

هيثم خزعل / لا ميديا -
يوم خُطف الرئيس سعد الحريري وأجبر على الاستقالة، قامت فرنسا بتنفيس الأزمة وإرجاعه إلى لبنان. ويوم شارف لبنان على الانهيار المالي وعدته فرنسا بمؤتمر «سيدر»، الذي تعذر عقده بسبب محدودية الحركة الفرنسية أمام الاستراتيجية الأمريكية العامة في المنطقة والتي قضت في حينه بدفع لبنان إلى الانهيار. وبعد تفجير المرفأ والأزمة السياسية سمح التفاهم الفرنسي الإيراني بولادة حكومة ميقاتي.
اليوم ومع انقطاع التواصل الأوروبي (الفرنسي تحديدا) - الإيراني تبدو فرص التسويات المرحلية الصغيرة في لبنان شبه معدومة.
الحرب الغربية على روسيا كانت نقطة تحول في هذا المجال. إيران باتت في تحالف استراتيجي مع روسيا والصين، وفرنسا اليوم ومعها ألمانيا منخرطة كليا في الحرب في صف الولايات المتحدة، وهي لا تمتلك أية هوامش استقلال في السياسة الخارجية للمبادرة في الملف اللبناني.
وبسبب الأثمان الاقتصادية الكبيرة التي تدفعها دول أوروبا الغربية في مواجهة روسيا، ومع خسارات فرنسا المتتالية لمواقعها في مستعمراتها القديمة في أفريقيا لصالح تمدد نفوذ روسيا والصين، يبدو أنها وألمانيا باتتا تتصلبان أكثر في مقاربتهما للأزمة اللبنانية.
الأوروبيون، المرتعبون من تبعات الأزمة على اقتصاداتهم، والذين يظهرون بمظهر «كلاب واشنطن» المطيعة، خرجوا بحثا عن بدائل لتسويق صناعاتهم، فتبدلت دينامية السياسة الخارجية لألمانيا، المنكفئة على نفسها منذ الحرب العالمية الثانية، ليخرج مستشارها شولتز في زيارات إلى الصين والإمارات ودول أمريكا اللاتينية بحثا عن أسواق وتفاهمات تخفف الضرر اللاحق باقتصاده الوطني.
يبقى النفط والغاز وموارد الطاقة عموما هاجس أوروبا الأكبر. وحيث طبع الأوروبيون مع فكرة نهاية عصر الموارد الروسية الرخيصة، هم ينهمكون اليوم بالبحث عن بدائل. وتشكل منطقة شرق المتوسط حيث لبنان أحد مكامن الغاز والنفط المهمة في العالم. كما أن فرنسا تسعى لعدم خسارة موطئ قدمها المغروس هنا منذ قرنين من الزمن. هذا يفسر «الغزوة» الأوروبية الأخيرة وجرعة الدعم للبيطار ومحاولة الإطاحة بحاكم المصرف المركزي رياض سلامة. كما يفسر السلوك المتشدد للسفير الألماني حيال مسألة النزوح السوري والعديد من المسائل اللبنانية الأخرى.
يتقاطع السلوك الأوروبي المستجد مع أجندة الولايات المتحدة والسعودية والكيان المؤقت كلّ لأسبابه. وبانتظار اجتماع باريس الرباعي ستبلغ الأزمة اللبنانية مراحل غير مسبوقة بانتظار الورقة التي ستخرج عن الاجتماع، والتي ستبدو كدفتر شروط سياسية لحل الأزمة اللبنانية.
في ضوء هذه المعطيات، وبرأيي الشخصي، فإن الحزب الذي بات يصور كأنه المشكلة أو العائق أمام الحل الغربي/ العربي للأزمة اللبنانية، بات يرضى بضمانات الحد الأدنى، وقد تلعب قطر دور الوسيط في تقديم تلك الضمانات. أما في حال غياب الضمانات للحزب فالأوضاع ذاهبة لتأزم أكبر وفوضى اجتماعية وأمنية يتوقعها الأمريكيون الذين يرفدون القوى الأمنية بمبالغ بالفريش دولار للحفاظ على هياكلها من التفكك في ظل تفكك بقية المؤسسات.
هذا ما ينتظر لبنان مرحليا. أما الصورة العامة للمنطقة، ومعها لبنان، فمؤجلة إلى ما بعد حسم مشهد الصراع الدولي الكبير الحاصل.

أترك تعليقاً

التعليقات