كسر هيبة الدبابة
 

هيثم خزعل

هيثم خزعل / لا ميديا -
بعد غزو العراق، أذكر أنني قرأت مقابلة لوسيلة إعلام مع أحد الأشخاص الذين كانوا يقاومون الاحتلال. لم يفصح الشخص في المقابلة عن هويته. كان ذلك في زمن انتشار الجيش الأمريكي على كامل الجغرافيا العراقية. ما زلت أذكر أن هذا الشخص قال إن قصف نقاط الجيش الأمريكي هو مهمة يومية روتينية يقوم بها، وأنه يستيقظ صباحا ويذهب إلى عمله وفي المساء يعود إلى عائلته، ثم يذهب مع رفاقه للتحضير لعملية قصف بالهاون للنقاط العسكرية أو التجهيز لنصب كمين بعبوة، وأنهم اعتادوا القيام بذلك بشكل يومي تقريبا.
تذكرت تلك المقابلة وأنا أشاهد مقاطع مقاتلي القسّام، بعد عشرات أطنان المتفجرات التي رميت فوق رؤوسهم، يخرج هؤلاء لملاقاة تقدم المدرعات الصهيونية، يخرجون بثياب عادية، كتلك التي يرتديها أشخاص عاديون مثلنا في بيوتهم أو في الشارع أو في أماكن عملهم حتى. الصورة على شدة بساطتها، شديدة التعقيد. يخرج عربي فلسطيني من نفق، بثياب عادية، متأبطاً قاذفاً، وبهدوء أعصاب شديد، يتلو آية قرآنية ويصوب قاذفه صوب وحش فولاذي، هو «الميركافا»، غالباً ما يصيبها ويفجرها ثم ينسحب بهدوء تحت تغطية من رصاص رفاقه، كأنه مشهد أي واحد فينا يخرج بثيابه العادية ليحضر بعض الأغراض لبيته أو يقضي حاجة معينة في الخارج ويعود.
مشهد تدمير آلة مميتة ومخيفة بحجم «الميركافا» حوله مقاتلو القسّام إلى مشهد شديد البساطة واعتيادي وسهل. في كل الحروب، كانت المدرعات هي التي تبث الرعب في قلوبنا، شكلها، فوهة مدفعها، صوت جنازيرها. الطائرات تخيف الناس؛ لكنها لا ترى، هي تحلق عالياً. المدرعة هي ما يتقدم على الأرض كالوحش الكاسر، وهي التي تدب الرعب في القلوب.
مقاتلو القسّام لا يخافون «الميركافا»، هم يتمنون اقترابها منهم لاصطيادها ببرودة أعصاب مخيفة. ما يحصل اليوم على أرض غزة هو كسر نهائي لهيبة الدبابة.

كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات