أمريكا وحاجتها للاستدارة
 

د. مهيوب الحسام

#مهيوب_الحسام / #لا_ميديا -

لكل بداية نهاية، صحيح أنها تمر بمراحل تبدأ بالنمو وفترات ازدهار، ومن قمة النمو والازدهار تبدأ فترات النكوص والانحطاط والسقوط. وهكذا هو النظام الرأسمالي، وأمريكا على رأس هذا النظام التي لم تعد في أحسن أحوالها. وما يحدث في أمريكا حاليا من إجراءات عزل لترامب في مجلس النواب الأمريكي ليست إجراءات ضد شخص ترامب أو غيره، حتى وإن كان الرئيس الأمريكي شخصاً غير ترامب لن تكون النتيجة بعيدة كثيرا عن هذه النتيجة، لأن من يحكم أمريكا وهذا النظام الأمريكي ليس شخصاً بعينه بل هي شركات ومؤسسات رأسمالية وما نسميه بالدولة العميقة. لذا فإن ما يحدث في أمريكا الآن هو محاكمة للنظام الأمريكي الرأسمالي نفسه، وذلك بسبب فشله الذريع وسقوطه المريع في السياسة الخارجية وفي كل الملفات الخارجية التي تدخل فيها من الملف النووي الايراني مرورا بالعراق وداعش وسوريا وليبيا ولبنان، ويأتي على رأس هذه الملفات ملف العدوان الأمريكي على اليمن، وهو أهم إخفاقات ترامب (النظام الأمريكي) وفشله في تحقيق أي انتصار، بل على العكس بات الملف الأفشل والأكثر والأوضح هزيمة لأمريكا وحلفائها وأدواتها، وهزيمة أمريكا في كل هذه الملفات وعلى رأسها هزيمتها في العدوان على الشعب اليمني عكست وتعكس نفسها على النظام الأمريكي، فهزيمة هذا النظام أخلاقيا وقيميا في معاركه العدوانية، ناهيك عن الهزائم الميدانية، كفيلة بألا تعيدها من إمبراطورية إلى دولة عظمى فحسب بل يجعلها قوة غير اخلاقية ونظاما ودولة غير محترمة ومنبوذة في العالم، فإلى جانب أن ذلك قد أفقدها هيبتها سيفقدها بالتأكيد قيمتها التي كانت بها تسيطر على ما يسمى بالنظام العالمي. وأمريكا بهذه الاجراءات تتحسس مكامن ضعفها ونقاط تراجعها، ولكنها تحاكم مخاوف السقوط دون تشخيص حقيقي نتيجة الغرور والمكابرة.
فأمريكا كأصيل للعدوان بحاجة للنزول من الشجرة ولم تجد من يساعدها على النزول من تلك الشجرة التي اعتلتها، فروسيا والصين متربصتان بها ولن تسعيا بل ليستا مستعدتين إطلاقا لمساعدتها على النزول المريح. وبذلك فإن أمريكا كقائدة للعدوان قد أصبحت بمؤسساتها أو ما تبقى من مؤسساتها أو ما تسمى بالدولة العميقة بحاجة ماسة وملحة للذهاب نحو استدارة بل استدارات، لترتيب وضعها من جديد صمن تراجعها في كل الملفات، وعلى رأسها ملف العدوان على الشعب اليمني والاتجاه نحو حلب ما تبقى من كيانات الأدوات الرخيصة ليتم تقديم كياناتها الوظيفية ككبش فداء باعتبارها رأس حربة العدوان والمتسبب في تلك الجرائم، وتحاول أمريكا الخروج منها كراعية سلام وصاحبة قيم وأخلاق... الخ، لأن الجرائم التي ارتكبتها أمريكا لن تستطيع التعايش معها ولن تقدر على تحملها والاستمرار بها في حكم العالم، ناهيك عن التنظير لقيم لا تملكها. لذا يجب ان يكون هناك مقلب نفايات تدفن فيه نفايات جرائمها اللاأخلاقية واللاقيمية واللاإنسانية، وهذا المقلب موجود دون كلفة.
لذلك، فإن إجراءات عزل ترامب حاجة داخلية أمريكية ملحة، وحاجة ملحة أيضاً خارجية على مستوى العالم.

أترك تعليقاً

التعليقات