الشهيد المنشد القائد
 

د. مهيوب الحسام

عادة الشخصيات الاستثنائية، حياتها لا تعمر طويلاً، لكنها تعمر وتدوم طويلاً بعد الممات، لأنها تقوم بأعمال استثنائية، وتترك إرثاً من أعمالها يبقى حياً بعد رحيلها لا يموت، ويخلدها بعد الممات، من الشاعر أبو القاسم الشابي مروراً بالكثير، وصولاً للشخصية التي نتحدث عنها اليوم ويصادف ذكرى استشهادها السنوي تاريخ 13 فبراير، إنه الشاعر والقائد المثابر والمنشد الثائر الشهيد لطف محمد القحوم، الذي واجه العدوان (السعوصهيوأمريكي) على بلده وشعبه، بالوعي والإدراك والشعر واللحن والإنشاد للزامل، وبالقول والفعل، وبالبندقية، حيث كان يقود المجاهدين في الجبهات، وكان بذلك يشبه إلى حد كبير القائد المجاهد عماد مغنية (الحاج رضوان) في حرب تموز 2006م، حتى إن ذكرى استشهادهما تصادف نفس الشهر ونفس الأسبوع. 
لقد كان الشهيد يقود الجبهة من الأمام، وبيده البندقية، وعلى لسانه الزامل، والتوجيه معاً، لقد أسس رفيقنا الشهيد البطل مدرسة جديدة من الزامل الوطني، زامل يصل المجاهد (المقاتل) بأرضه، ويربطهما ببعض كوحدة واحدة، زوامل لم تكن لها قيمتها، ولا قوتها قبله، زوامل مبنية على ثقافة يمنية متوارثة جيلاً بعد جيل، وقيم إنسانية ممتدة، وتوجيهات قرآنية تشحذ همم الناس، وتربط ماضيهم بحاضرهم، وحاضرهم بمستقبلهم، تحفزهم للدفاع عن وطنهم، عن أرضهم وعرضهم، ترفع معنويات الشعب المجاهد، وتبشره بالنصر (والله إني كالجبل صعب اهتزازي والتحالف كالورق سهل اهتزازه)، زامل يعتز بقوة اليمني وبأسه وصلابته في مواجهة أعدائه، وزوامل تعرف وتذكر اليمني بإرادته في صنع النصر بأبسط أنواع السلاح (توكلنا على الله بالبلاجيك/ على سلمان نوحي يا البواكي.. نفاوضهم من أخشام الدباشيك.. الأياكي.. جرمل وزاكي.. الخ) زامل يذكر الشعب اليمني بأقدم الأسلحة التي لديه وأبسطها، والذي كان قد خرج عن الخدمة معظمها، فأحياها وأعاد لها رونقها وأهميتها وقيمتها في المعركة، فبهذه الأسلحة القديمة وعزيمة وإرادة اليمني تتم هزيمة أحدث الأسلحة.
لقد شكل مع الشهيد الشاعر المجاهد عبدالمحسن النمري (فضول الشعر الجهادي) ثنائياً متميزاً، حيث كان بمثابة (أيوب الزامل الجهادي): الوفاء ما تغير عهد الأحرار باقي، ما نبالي ما نبالي، واجعلوها حرب كبرى عالمية، فمن كان مع الله لا يخشى سواه.
كثيرة هي زوامل الشهيد التي لها معنى ونكهة وقيمة في مواجهة العدوان، والتي وصل صداها إلى أسماع الكثير، والتي تفوق قيمتها الوصف، ولكن ما نريد قوله هو أن القامة والعملاق الشهيد القائد المجاهد لطف القحوم، كان ينتقي أبيات زوامله التي يقوم بتلحينها وأدائها بصوته الصداح، بناء على بيئة المواجهة مع العدوان وظروفها، وأجوائها، وحتى تضاريس المنطقة التي تتم فيها المواجهة، والمكان، وربط المكان بالإنسان (سيدي سيدي والداعشي وين أصيده/ رأس هيلان وإلا رأس وادي عبيده)، مقاطع حوارية غاية في الإبداع، وهذا ما تميز به شهيدنا المناضل المبدع، اختيار أشعار زامله بناء على قوة اللفظ، والمعنى، وأيضاً قوة الرسالة والهدف (دق التحالف دق دق يا الشامخ الصم.. الخ) زامل كله توجيهات للمجاهدين بالثبات في المواجهة والتخندق، والوثوب على العدو في اللحظة المناسبة.
لقد تحدى شهيدنا المبدع الإف16، وتحدى الأباتشي، قبل أن يسقطها رفاقه في القوة الصاروخية بزمن، ومهما تحدثنا عن الشهيد، فإننا لن نستطيع أن نوفيه حقه، فلقد فقدنا وفقدت الجبهة المواجهة للعدوان برحيله عاملاً محفزاً في تسريع حسم المعركة، لكن عزاءنا فيه أنه ترك إرثاً كبيراً، وأسس لمدرسة مستمرة ستحرر اليمن أرضاً وإنساناً، ونقول له نم قرير العين في السموات العلى، فكم كنت حراً وأنت تطلب من الدنيا أن تؤشر جوازك، ونلت التأشيرة، والشهادة، فهنيئاً لك، وكن على ثقة بأن دمك، ودم رفاقك من الشهداء سيحرر اليمن من العدوان عما قريب.
التحية للشعب اليمني الصابر الصامد، والحب والإعزاز والإجلال للمجاهدين الأبطال من الجيش واللجان الشعبية.. الرحمة والخلود للشهداء أطهر من في الأرض، وأنبل بني البشر.. الشفاء للجرحى.. الحرية للأسرى.. الهزيمة للعدوان.. النصر للشعب اليمني العظيم.

أترك تعليقاً

التعليقات