الوعي خارج أسوار المدرسة
 

د. مهيوب الحسام

من براثن الجهل وجور الحكم وفساد سلطة الوصاية وفقد السيادة، وارتهان القرار الوطني لـ50 سنة خلت، أضف لذلك غباء بدرجة الفجور لكيان الوصاية وكيل العدوان وأداته بنفس العمر، واستكبار أصيل غدا يناطح بضعفه للهيمنة لا بقوته.
استحضر الشعب اليمني من غياهب التاريخ، وعمق إرث حضاري، ما سلب الدهر منه، متكئاً على نواة صلبة صلّبتها ملمات الخطوب (الأنصار)، تفجّرَ عنفواناً، وعزة وطاقة إبداع وقوة، فتخلَّق وعي وطني وسياسي وثقافي وإرادة تاريخية في مواجهة العدوان (السعوصهيوأنجلوسكسوني) أرعب أصيل العدوان، وأرهب الوكيل، وهلهله، وعي تخلق من صفرية أوعية تعليم أنيط بها بناءً فهدمت، وعي تخلّق خارج أسوار مدرسة تقليدية لسلطة فاخر سلطويوها بها منجزاً في الفراغ، وعي مستحق لنصر تاريخي ناجز، ومؤهل لتغيير وجه المنطقة، والعالم (النظام الدولي)، ولا نخطئ إن قلنا إنه لم يمر على الشعب اليمني يوم خلال عمره الوصائي، كانت فيه المدرسة خلاقة للوعي الوطني أو غراسة للقيم أو تمّامة لأخلاق أو ولادة للفكر، زراعة، ومربية للجيل، منمية لقدرات المجتمع ومداركه، أو بانية للعلم والمعرفة والبحث العلمي، لم تنجح تلك المدارس، ومعها شقائقها ونظائرها من معاهد، وجامعات، وأكاديميات (مدنية وعسكرية)، ومدارس حزبية، في خلق الوعي الوطني، فمدرسة معظم معلميها من خريجي دبلوم سنتين لمعاهد معلمين بعد الإعدادية (المرحلة المتوسطة)، ومناهج أساسها حضور الندوات الدينية شرطاً للنجاح (حزبية)، فيتخرج مدرس لا يعرف أن يكتب اسمه بشكل صحيح، فماذا سيُعلم؟ وأسوأ من ذلك المدارس الأهلية، فهي حزبية وتجارة ربحية لجمعياتهم، وأيضاً المعاهد والجامعات الخاصة، ليست تلك الأدوات لوحدها، بل أضيف إليها الجوامع والمساجد ومدارس تسميع وحفظ القرآن لا فهمه، الناجحة بلا شك في تخليق وتربية الإرهاب، وخلط المفاهيم وحرف المصطلحات، توطئة للحاصل اليوم بالبلد والأمة، وتسوية الأرضية لاستقبال المستعمر الغازي الأجنبي لاستباحة الأرض، والعرض... الخ، لذلك لم تنجح تلك المؤسسات التعليمية الناشئة في عهد سلطة الوصاية، في الحفاظ على الحد الأدنى للكرامة، انظر لمعظم مرتاديها وروادها ممن تخرج منها، وتوظف على إثرها، وتقلد مناصب في هذا البلد، ونهب ثرواته بلا حدود، ستجده في الرياض وأبوظبي، وفي المحافل الدولية واقفاً مع العدوان ضد بلده، ومؤيداً لقتل شعبه.
إن المدرسة لم تشكل وعياً وطنياً ولا إحساساً بالانتماء والمسؤولية، ولم تولد اعتداداً بالنفس، ولا عزة، ولا كرامة، بل عمدت لتوليد الذلة والخنوع، وعليه نخلص إلى أن الوعي بمواجهة العدوان لم يتشكل في المدرسة، وإنما خارج أسوارها، ومن الواقع، وتراكم الخبرات، وإرث ثقافي لمجتمع وشعب هو أصل البشرية بعمر يمتد لأكثر من 9 آلاف سنة، وثقافة قرآنية محتها المدرسة.
إن كل ذلك لم يأت من فراغ، وإنما من إفشال الثورات في هذا الوطن، سواء التي قامت ضد الدولة الوطنية المستبدة، أو ضد الاستعمار الأجنبي، في تحقيق أهدافها، حيث عمدت السلطات المتعاقبة، بتوجيه الوصي وأصيله، على تكريس وضع قامت عليه الثورات، بل أسوأ. تأمّل بأهداف ثورة 26 سبتمبر 1962م وما تحقق منها، ستجد:
الهدف (1): التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل، وإزالة الفوارق بين الطبقات.. فلم يتم التحرر من الاستبداد، بل تكريسه، والقبول بالوصاية، وغياب العدل، وزيادة الفوارق.
الهدف (2): إقامة جيش وطني قوي لحماية البلاد، وحراسة الثورة.. لم نبن جيشاً وطنياً لحماية البلد وسيادته، بل مليشيات لإخضاع الشعب وقهره، وقتله.
الهدف (3): القضاء على الجهل والفقر والمرض، ورفع مستوى الشعب اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً، وثقافياً (خلق وعي)، وتحقق رفع مستوى الجهل والفقر والمرض.
الهدف (4): إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل، كلام إنشائي غير مترابط.. فكيف ننشئ مجتمعاً عادلاً بدون إقامة العدل فيه، وما تتحقق هو الظلم ومضاعفاته.
الهدف (5): العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة، وما تم هو تحقيق الوحدة اليمنية الجغرافية بين الجنوب والوسط دون الشمال (جيزان - نجران - عسير)، مع تدمير الوحدة الوطنية.
الهدف (6): احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وهذا الهدف الوحيد الذي تحقق رغماً عنا.
إن كان للمدرسة من دور يذكر في تعليم أو بناء وعي، فهو في جدول الضرب الصغير فقط، وبلا ضمير المدرس يصبح حساب 3=16×3.. أما جدول الضرب الكبير فمن شأن ولي الأمر، ولمن أراد أن يفهم ببساطة، عليه أن يعلم أن عبدالله البردوني، والفضول، وأيوب طارش، وحسين المحضار، وأبو بكر سالم، ومحمد سعد، وكذا المناضلين والزعماء من إبراهيم الحمدي، وسالمين وفتاح، لم يتخرجوا من مدارس عهد الوصاية.
التحية للمجاهدين من الجيش واللجان الشعبية.. الرحمة والخلود للشهداء الأبرار.. الشفاء للجرحى.. الحرية للأسرى.. الموت لأمريكا سياسة استعمارية، ولإسرائيل احتلالاً، وللوهابية وصاية وكراهية وحقداً وعدواناً.. الهزيمة للعدوان السعوصهيوأمريكي على الشعب اليمني.. النصر للشعب اليمني العظيم.

أترك تعليقاً

التعليقات