تعز قيمة بحجم القيم
 

د. مهيوب الحسام

د. مهيوب الحسام

حدثنا التاريخ ولايزال عن بطولات اليمنيين، وتصديهم ومواجهتهم للعدوان على بلدهم قديماً وحديثاً. وأكد لنا أن أولى تلك المنازلات التي كانت تتم بين الغزاة المحتلين لها، وبين اليمنيين المدافعين عنها، في تعز، وتعز الساحل أولاً من باب المندب إلى المخا، وصولاً للبحر العربي على امتداد الساحل الغربي باب المندب، والوازعية وموزع، وذوباب والمخا، ثم تليها مناطق تعز الداخل دون استثناء، ولهذا كانت تعز تشكل أولى مقابر الغزاة، وبهذا عُرفت، وبه أخذت قيمتها ومكانتها، وتربعت على عرش الوطنية باستحقاق، وعن جدارة من مواجهتها للغزاة المحتلين، وعدائها لأعداء اليمن، وحبها لليمن صدقاً وإخاء، وإلى عهد قريب كانت تعز لا تسألك من أين أنت؟ ولأية منطقة تنتمي؟ طالما أنت فيها فأنت منها، وما اعتادت تعز إلاّ أن تكون في الصف الوطني، بل مقدمته، ومن هنا تبرز قيمة تعز، ولم يحدثنا التاريخ عن قيمة لتعز خارج الصف الوطني إطلاقاً، حتى جاء دين الاستعمار (الإخواوهابي)، وحل ضيفاً على اليمن، وخص تعز حين منها بدأ عام 1945م، ليعمل على حرف القيم، بل واستبدالها بقيم تراث ليس للدين صلة بها، قيم ترفع مستوى قدسية التراث فوق قدسية الدين ذاته، وخلقت مفاهيم، ومصطلحات خاصة بدين المستعمر، ومفصلة على مقاسه، وبدأت تغير في المجتمع من خلال حرب المصطلحات الهادفة لخلط المفاهيم، وهدم القيم.
وقد نجح بعناصره، وبالتعاون مع سلطة الوصاية الحاكمة، في غزو منهج التعليم المدرسي والجامعي بمفاهيم ومصطلحات دينه (الإخواوهابي)، فأصبح الغزاة فاتحين، والاحتلال خلافة، وقائده ولياً للأمر ولو كان رأسه زبيبة... الخ، وتسنى للجماعة احتلال مناهج التعليم ردحاً من زمن أتاح لها تجريف ما وجد من وعي في المجتمع قبل مجيئها، وأنشأت على أنقاضه مفاهيم دين وليّها، وهو ما يدفع الشعب اليمني ثمنه حتى الآن.
لذلك فإنه على كل من يحب تعز ويتغنى بحبه وعشقه لها وهيامه بها، أن يقرأ ويتعرف ويعرف تاريخ تعز، وأن يحرص عليها بألا يوجهها إلى غير وجهتها الوطنية، وليعلم الجميع أن تعز لا قيمة لها خارج الصف الوطني، وكل من يدفع بها خارج سياقها التاريخي، ودورها الوطني يفقدها قيمتها ونكهتها ولونها، وهو بذلك إنما يعتدي عليها، ويرتكب جرماً بحقها، أرضاً وإنساناً.
إن تعز لا تحتمل أن يتم ذلك باسمها، وبحقها، وحق أبنائها، في لحظة تاريخية فارقة يتعرض فيها اليمن كله، وتعز رأس حربته، لعدوان أجنبي استعماري يحتل الساحل، ويقتل الداخل، والتاريخ لا يرحم ولا يغفر للخونة والعملاء، وحتى المتخاذلين.
وتعز لا تحتمل العار بأن تكون مع الغزاة المحتلين، تاريخها يرفض، وفطرتها ترفض ذلك، وأهلها وبيئتها ترفض، ومستقبلها ومستقبل أجيالها يتبرأ ويبرأ إلى الله والشعب اليمني من ذلك. وعليه يجب على كل من يحب أو يدعي حب تعز ألا يجازف بتعز لمصلحة شخصية أو حزبية ضيقة. تعز التي كان لا يسألك أهلها من أين أنت؟ مهما تكن لهجتك ولكنتك وملبسك، وترحب بكل من حل بها، وتعتبره منها، وأحد أبنائها الأصليين.
تعز التي ينتشر أبناؤها في كل محافظات اليمن، وكل بلدان وأقطار العالم. تعز التي فاز بانتخابات مجلس الشورى 1988م بدوائرها الخمس، مرشحون ليسوا من تعز، وانتخبتهم، ولم تسأل من أين هم؟ تلك تعز التي لا يمكن أن تكون مناطقية أو جهوية أو مذهبية، ولو كره المحتلون ومرتزقتهم.
تعز منبع حركات التحرر الوطني، والتي كان لها الريادة في مواجهة الاحتلال والاستعمار على مر تاريخ اليمن، ومقابر المحتلين الغزاة من البرتغال إلى الأتراك في كثير من مديرياتها من الوازعية وموزع، والعزاعز.. الخ، لاتزال شاهدة على مواجهتها لهم، لا على ترحيبها بهم البعيد عن ثقافتها وسلوكها. لذا فإن كل من يسعى لجر تعز لمربع الخيانة، فهو خائن لها، ويقوم بالقضاء عليها، وما لم تكن تعز (كل اليمن لكل اليمنيين) فإنها تموت، ولا ننكر لتعز أهميتها الجغرافية، لكن تلك أهمية لليمن كلها، كما لا ننكر أنها تمثل قوة ديموغرافية، والتي نؤمن بأنها قوة بناء لليمن، لا خزان وقود لأحد، لذلك فإننا نؤمن بأن قيمة تعز الحقيقية والأساسية هي بما تحمله من قيم وطنية بل وعروبية أيضاً.. التحية للشعب اليمني العظيم بجيشه ولجانه الشعبية.. الرحمة والخلود لشهداء الحرية والاستقلال والكرامة الوطنية، أطهر من في الأرض وأنبل بني البشر.. الشفاء للجرحى.. الحرية للأسرى.. الخزي والعار للخونة.. الموت لأمريكا عدواناً وسياسة.. الموت لإسرائيل كياناً محتلاً لأرض العرب ومقدسات المسلمين.. اللعنة على يهود لا يتناهون عن منكر فعلوه.. النصر للإسلام دين عدل ورحمة.. الهزيمة للعدوان.. النصر للشعب اليمني العظيم.

أترك تعليقاً

التعليقات