رئيس التحرير - صلاح الدكاك

بات من العسير بالنسبة لما يسمى مجازاً (الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي)، أن يواصل إسدال ستارة النفاق والتغاضي العمدي عن بشاعة جرائم تحالف العدوان السعودي الأمريكي بحق الحياة والأحياء في اليمن، ليس لأن ضمير هذه المنظمات (الأممية) وعالم الأحادية القطبية قد أفاق وعاد إليه النبض، وإنما لأن التحالف الإمبريالي، أخفق - بعد قرابة عام - في تحقيق مبتغاه، وعوضاً عن ذلك فإن دولاب المجابهة بدأ في الدوران باتجاه مضاد لأطماعه؛ منذراً بتطورات وخيمة قادمة، تهدد ممالك الكارتون بالهرس.
جُلُّ ما رشح علناً عن الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، الثلاثاء الفائت، والذي عقد اجتماعه بطلب من روسيا، تضمَّن توصيفاً أكثر صراحة - خلافاً للمعهود - للوضع (الكارثي في اليمن على المستوى الإنساني، والانتهاكات التي يرتكبها التحالف بحق المدنيين والمنشآت الخدمية..)، إلا أنه لم يتخذ موقفاً صريحاً من مرتكبي هذه الانتهاكات، ولم يشر إليهم بإصبع إدانة حتى من قبيل العتب.
فيما تستمر (هيومن رايتس ووتش) في إقرارها التصاعدي بـ(عشوائية ضربات التحالف) و(استخدام أسلحة محرمة دولياً - عنقودية،..)، خلافاً لتقاريرها التي واكبت مجريات الأحداث على نحو منحاز وفج يدهن ويداهن سوأة الجلاد خلال الأشهر الأولى لبدء العدوان على اليمن.
وفي سياق موازٍ خرج (البيت الأبيض) باستخلاص كاريكاتوري - الأسبوع الفائت - مفاده أنه (ما من تدخل إيراني مباشر يمكن وضع اليد عليه في اليمن)، وشرعت (موسكو) - بدورها - تدلي بدلوها في تقريع (السعودية) على (انتهاكاتها في اليمن)..
أياً كانت هذه التطورات الطارئة في زوايا نظر المنظمات الدولية الأممية والحقوقية وعواصم القرار، تطورات دون المطلوب، وليست موضع رهان وتعويل بالنسبة لشعبنا، فإنها تفصح عن حاجة دولية تنضج باتجاه إعادة النظر في المقاربة الفجة والفاضحة التي يتبناها المجتمع الدولي إزاء (الأزمة في اليمن)، وفقاً لحقائق ميدان رخو لجهة ابتلاع مخططات تحالف العدوان السعودي الأمريكي، وصلب لجهة صمود الشعب وتقدم قوات الجيش واللجان الشعبية والأخذ بزمام المبادرة بعد جدارتها في امتصاص عنف الصدمة في أوجها.
لا ريب أن الاحتكار الصناعي الحربي الأمريكي، لم يخطط لأن يكون (اغتيال الأفراد) أحد أبرز وظائف (الإف 16)، وهو يشاهد اليوم بفرط الخزي والخيبة كيف تتحول (أسطورته الجوية الأحدث والأضرى) إلى محض مسدس كاتم للصوت، وعلبة صفيح ضخمة طائرة تخفق في إثارة فزع أطفال اليمن بجلبتها، عوضاً عن أن تنجح في فت عضد الجيش واللجان الشعبية.
بصواريخ (توماهوك، كروز) من عرض البحر المتوسط، استطاع (الناتو) أن يشل سلاح الجو الليبي، ويقوض كونترول القيادة الحربية لترسانة الجماهيرية العسكرية، في غضون أسابيع عام 2011م، مفسحاً لجحافل مرتزقته على الأرض طريقاً معبدة إلى (طرابلس الغرب).
وفي العراق عام 2003م جعلت ضربات تحالف الاحتلال الأمريكي البريطاني من (خامس جيش في العالم عدداً وعتاداً وحرفية) أشبه بعملاق أعمى ومقطوع الصلة بدماغ التغذية المركزية وهيئة الأركان، وفي اليوم الـ22 من بدء العدوان، كانت قوات التحالف قد أمست في قلب العاصمة (بغداد).
إلا أن أضعاف القوة النيرانية المستخدمة في العدوان على العراق وليبيا، لم تؤتِ أُكُلها في اليمن، ولا تزال مراكز القيادة والسيطرة العسكرية للجيش واللجان - بعد قرابة عام من العدوان - تدير المعركة على عشرات الجبهات باقتدار فني عسكري فذ وعبقري قياساً بضراوة العتاد الحربي للعدو وضخامة إمكاناته مقابل تواضع الحيازات المادية للجيش اليمني واللجان الشعبية كماً ونوعاً وصفرية إمكاناته الجوية.. إلى ذلك، فإن القوة الصاروخية لقواتنا تفصح - كلما طال أمد المعركة - عن عافية متنامية تتيح لها تفويج الصواريخ التقليدية والباليستية زرافات ووحداناً في مواقيت قاتلة وإلى أماكن حساسة في الداخل وما وراء الحدود التي باتت عملياً حدوداً افتراضية لا وجود لها إلا على الخارطة بعد أن كشطتها بيادات المقاتل اليمني.
الفرائس العصية على الافتراس أمريكياً، هي فقط من يلجأ العالم المنافق للاحتيال عليها عبر لعبة (إظهار الشفقة إزاء أوضاعها الإنسانية المتردية)، وعبر أكذوبة (الحوار والمفاوضات كمخرج وحيد).. بينما لا تثير الفرائس التي يُفلح (اليانكي) في التهامها بيسر ودون فرط عناء، شفقة المنظمات الأممية والحقوقية، ولا تسترعي انتباه العالم.
تبعاً لذلك يكون على (ولد الشيخ) أن يتوارى فلا يبين له أثر، مفسحاً لتحالف العدوان السعودي الأمريكي (اجتياح صنعاء)، أو أن يطل برأسه بغتة ليؤكد (استحالة الحل العسكري في اليمن)، مثبطاً بيادة المقاتل اليمني التي توشك أن تسحق رقبة (سلمان)، وبالتزامن مع اندحار (السيل الجرار) عن (حدائق صنعاء) المنيعة، وتدفق (سيل العرم اليماني) عاتياً جارفاً على جحور فرعون وجنوده، من (صحن الجن) إلى الربع الخالي، ومن (ذوباب) إلى (الربوعة والشرفة والمصفق وأبها)..
سياسة (الاستهبال) التي تزاولها (الأمم المتحدة) إزاء اليمن من خلال توصيف العدوان الكوني الفج والسافر على ترابها وشعبها، بـ(أزمة يمنية - يمنية)، والتنفيس عن الاحتقان الأخلاقي الذي ينتابها بفعل جرائمه، عبر تحرير بيانات الرثاء البائسة للوضع الإنساني، لم تعد سياسة مقبولة من منظمة تزعم حرصها على (حسم النزاع بالحوار)، إذ إن كل حوار على منوال (جنيف 2،1) لا تسمى أطرافه بمسمياتها، ولا يسبقه وقف فوري للعدوان ورفع كامل للحصار، ليس إلا وقيعة تلعب فيها (الأمم المتحدة) دور القواد لصالح تحالف العدوان السعودي الأمريكي.
إن أنظار وقلوب شعبنا اليمني الشريف الحر الصابر الصامد، مصوبة اليوم - أكثر من أي وقت مضى - إلى المعركة، لا إلى نجدة (الأمم المتحدة) ومبادراتها السامجة، ورهانه - بعد الله - على زنود رجاله الرجال الذين يستولدون الحق من أضلع المستحيل، لا على ضمير عالمي يتأرجح منذ عقود مشنوقاً بشراك أحذية المارينز والبلاك ووتر.
إن اللحظة التي سيسقط فيها شعبنا لفرط الإعياء واليأس عند حذاء القتلة مستسلماً لسواطير داعش الأمريكية، هي لحظة لا ينبغي أن يراهن على مجيئها العدو ولا العالم المنافق، لأنها لحظة مستحيلة ولن تجيء، وعوضاً عن ذلك، فإن الأحرى بالعدو ومن خلفه العالم المنافق أن يستذكر مقولة سيد الثورة في خطابه الأول عقب العدوان، حيث قال: (إن الطلقة الأولى في أيديهم، لكن الطلقة الأخيرة هي في أيدينا، ونحن من سيقرر شكل النهاية وأوانها)..
ينبغي - إذن - أن يأخذوا اليوم وعلى محمل الجد، ما استكبروا وصعَّروا له الخد من رسائل سيد الثورة التي يترجم الواقع الموضوعي الراهن ما استعصى عليهم ترجمته أمس في غمرة عزتهم بالإثم وغيبوبة غطرستهم.
ولكم في (التجربة النهمية) عبرةٌ يا أولي الأبصار..

أترك تعليقاً

التعليقات