رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -

لم يكن سابغاً قناع الوطنية المصرية السامج والمهترئ الذي يتقمصه عبدالفتاح الجحش، حتى يصمد مديداً، فالسيسي الذي زعم في مفتتح رئاسته مراراً أن سوريا تمثل الجبهة الشرقية لمصر، وأكد خطورة استهداف الدولة السورية ومؤسساتها، برهن خلال سنوات حكمه مراراً على نقيض مزاعمه، وعلى أن مصر هي مفرزة عربية للدولة العبرية وأمريكا في حربهما على سوريا. 
باتت قناة السويس رسمياً في عهدة الكيان الصهيوني بصفة مباشرة، وما بيع تيران وصنافير للسعودية إلا صك تحليل يمنح العدو الإسرائيلي ملكيتهما من الباطن، وهما الجزيرتان اللتان تمثلان مصراعي الأمن القومي المصري الحاكمين على السويس.. لقد نسف عبدالفتاح الجحش بقايا القيمة الديكورية المصرية للقناة، والتي لم يتسنَّ للبقرة النطاحة أنور السادات نسفها، علماً أن كل قيمة ثورة يوليو المصرية إقليمياً ودولياً وشعبية زعيمها ناصر واسعة النطاق تكمن في قرار التأميم حصراً، فبنتائج هذا القرار كان العدوان الثلاثي الغربي الصهيوني على مصر، التي خرجت منتصرة منه لتؤلف كتلة دولية بين القطبين عنوانها الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، وبتداعياته حصلت مصر على صفقة التسليح التشيكية التي يصفها هيكل بالنقلة الاستراتيجية النوعية الفارقة في تاريخ المنطقة والصراع، ويشبهها من حيث القيمة والأثر العميق باكتشاف النفط وولوج عصر الطفرة النفطية.
يحارب عبدالفتاح الجحش في البحر الأحمر اليمني كوكيل للمخاوف الصهيونية ضمن تحالف العدوان على اليمن، وحافزه المعلن لهذا الانضواء الفاضح في العدوان على مهد العروبة، هو ما يمثله مضيق باب المندب من أهمية للأمن القومي المصري المفرشخ بلا حدود لإسرائيل، ولا يستشعر الخطر إلا من تلقاء يمن ثورة أيلول الهادفة لانتزاع حق اليمنيين في السيادة الكاملة والمستحقة على ترابهم ومائهم وسمائهم.
لا ريب أننا لا نتوقع من جحش تل أبيب في القاهرة مواقف شريفة تجاه اليمن، ولكن عباراته السامجة والرنانة عن أهمية الجبهة الشرقية (سوريا) هي ما يدفعني اليوم لتوسيد هذا الجحش مجدداً تحت سياط النقد الموضوعي.
ما كانت ناقلة النفط الإيرانية المستحقة للجمهورية العربية السورية لتضطر إلى عبور رأس الرجاء الصالح في طريقها لسوريا لو أن القاهرة العربية لم توصد طريق مرورها سلفاً من قناة السويس، وتخطر مرفأ انطلاق السفينة في إيران بأنها ملتزمة بالعقوبات الأمريكية على دمشق القاضية بحرمان الأخيرة من الوقود كقرار قرصنة فاضح أدواته التنفيذية حظيرة المنبطحين للكاوبوي واليانكي، وفي مقدمهم مصر وجحشها السامج عبدالفتاح السيسي.
لقد خاض عبدالناصر الصراع في الستينيات ضد قوى الاستعمار الغربي والصهيونية التي كانت ولاتزال تستميت للاستحواذ على مضيق باب المندب اليمني كخطوة استراتيجية لا مناص منها على طريق إعادة بسط الهيمنة على السويس حينها، في وقت كان مضيق هرمز الإيراني تحت هيمنتها، وسلطة طهران إحدى أدواتها الطيعة، وقد اضطلعت هذه الأخيرة بدور رئيس في حرب الخمس سنوات على اليمن (1963 ـ 1967) ضمن تحالف عسكري مضمر مؤلف من السعودية والأردن وإسرائيل.. واليوم فإن مصر تضطلع بالدور الاستعماري الغربي الصهيوني ذاته ـ الذي اضطلعت به إيران الشاه في الستينيات ـ تحت لواء تحالف عدوان الرجعية العربية على اليمن وسوريا، وعلى إيران الثورة الإسلامية التي استعادت قرارها وأطاحت بسلطات وزمن الوصاية والانبطاح لأمريكا والغرب الاستعماري، وباتت في موقع تشاركي مبدئي مع العرب، محوره قضايا الأمة المركزية العادلة ونزوع شعوب المنطقة للحرية والاستقلال..
لن تنال خسة جحش القاهرة من انتصار سوريا وصمودها، ولن تفت في عضد عصاميتها وفدائيتها الفذة، ولكن مصر ستنكص من كونها مفرزة صهيوأمريكية اليوم، لتغدو أدنى من ذلك وأضأل وأحط إن لم يتداركها المصريون الشرفاء الأحرار بثورة تعيد جحش القاهرة لدرك وضاعته، وتضع على سدة مصر هامة إنسانية سامقة تضاهي هامة ناصر أو تتخطاها شموخاً.. لا خيار لمصر سوى هذا الخيار، أو فلتنتظر الأسوأ والأكثر ضعة تحت أضلاف هذا الجحش النشاز.

أترك تعليقاً

التعليقات